• ×

د.عبدالرحمن الدهش

خطبة الجمعة 8-2-1434هـ بعنوان قيام الليل

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  2.2K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله
أما بعد :-
فموضوع يذكر به لغفلة الناس عنه، وبعد آخرين منه .
فهو إن شئت أن تقول إنه سنة مهجورة، وباب من أبواب الخير لم يعرف طريقه من لم يبحث عنه .
عباد الله : كيف يطيب لعاقلٍ رشيد أدرك حقيقة الدنيا وقصر زمنها وعقل مبدأ المسابقة (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض)
وعظم شأن المسارعة (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض )
كيف يطيب لعاقل بعد كل هذا ألا يكون له نصيب من عبادة عظم الله شأنها وجعل الأمر بها في أوائل مواضيع الوحي الإلهي .
وحث نبيه على أخذ نصيبه منها وهو في زمن الشدة وبداية التكليف والمحنة .
ففي بداية الدعوة يأتي أمر الله لنبيه (يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمّلُ قُمِ ٱلَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً نّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتّلِ ٱلْقُرْءانَ تَرْتِيلاً إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيْلِ هِىَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً)
فهذه دعوة الله لنبيه صلى الله عليه وسلم لقيام الليل فالحديث إذن عن قيام الليل .
نعم الحديث عن قيام الليل لعل النفوس تنشط له والتسويف في تحصيله تنزاح صخرته .
وحينما تضعف الهمم وتتدنى الرغبات ويتعلق كثير منها بالعاجل من الشهوات لا يعني هذا ألا نخص أصحاب المعالي من الهمم بحديث يثبت معالي همهم ويربطهم بالسابقين الأولين، المتشبهين بالصحابة والتابعين .
أيها الإخوة: المتخلفون عن صلاة الجماعة موجودون زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وثقلت صلاة العشاء والفجر على قوم فلم يحضروها في مسجد فاضل خلف أفضل إمام ومع ذلك لم يمنع هذا أن يحث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على قيام الليل ويثني على القائمين فيه وينزل القرآن مؤيدا مباركا هذه الظاهرة (كانوا من الليل ما يهجون)
معتذراً للمعذورين (علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله)
هؤلاء الذين عذرهم الله فأي صنف أنت منهم!
ما أعظم الجيل الأول !.
لم تسطر الآية عذراً لمن طال سهرهم، وكثر أكلهم فثقلت جنوبهم .
فأولئك المفوتون أنفسهم خيراً، وإن كنا لا نأثمهم ما دانوا في دائرة ما أباح الله .
ولكن الكلام في المشمرين الراغبين والحديث إليهم .
إذن لا تقل نحن بحاجة إلى المصلين الصلوات الخمس قبل أن نتكلم عن من يصلى في بيته ويتهجد في ليله .
فحاجتنا للطائفتين (ولكل درجات مما عملوا) .
(وكل يعمل على شاكلته) (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) .
وها هو نبي الله صلوات ربي عليه يقول: (أتاني جبريل فقال: يا محمد!
اعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل) رواه الحاكم عن سهل بن سعد وعَنْ بِلَالٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: (عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ وَمَنْهَاةٌ عَنْ الْإِثْمِ، وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنْ الْجَسَدِ) رواه الترمذي وغيره، وهو في صحيح الجامع.
عباد الله : ركعات الليل قوة في القلب وأنس وراحة قي النفس قد لا يجدها العبد في صلاة النهار وإن أطالها ، والله الذي خلق هذا القلب يعلم ما يلج فيه وما يخرج منه، ويعلم أي وقت أنفع لسقيه وأبقى في أثره وأشد في تأثيره .
فما أحوجك أيها العبد الفقير لخلوة بربك ، تناجيه ، تنكسر بين يديه تتلذذ بالتعبد إليه ، والتقرب إلى مراضيه، تبدي حاجتك وترفع شكايتك، تتشبه بالقوم الذين قال الله فيهم (تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) .
لقد كان قيام الليل أمراً مفروغاَ منه في حياة السابقين حرصوا عليه وتنادوا لفعله يستوى في ذلك عالمهم وجاهلهم، كل بحسبه يقومون من آخر ليلهم الرجل والمرأة والصغبر والكبير وصاحب المهنة والعامل بيده .
فهو جزء من ساعات ليلهم وبالتالي هو جزء من سنوات أعمارهم لا يفرطون بلحظات الأسحار ومناجاة العزيز الغفار .
قال ثابت البناني (ما أجد في قلبي ألذَّ عندي من قيام الليل)
وقال سفيان الثوري (إذا جاء الليل فرحت به)
وماذاك إلا لما يعد نفسه له من قيام الليل ؟.
وقال أبو سليمان الداراني (لأهل الطاعة بليلهم ألذ من أهل اللهو بلهوهم ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا)
فسبحان من أكرم بعض عباده فأذاقهم حقيقة السعادة ، وحبب إليهم طاعته فانشرحت صدورهم ونعموا بهذا الوجود وزيادة .
يقول بعض السلف (مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها !
قيل وما أطيب ما فيها ؟
قال : محبة الله تعالى ومعرفته وذكره) .
وإن ترد عجباً من أخبار القوم في عنايتهم بقيام الليل لا أقول: حضراً وسفرا بل حرباً ومرابطة في سبيل الليل فلم يمنعهم طلب الأعداء والجهاد في سبيل الله من القيام بالليل ففي سنن أبي داود بسند حسن عن جابر قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فنزل النبي صلى الله عليه وسلم منزلا فقال : من رجل يكلؤنا فانتدب رجل من المهاجرين، ورجل من الأنصار فقال: كونا بفم الشعب قال فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب اضطجع المهاجري، وقام الأنصاري يصل وأتى رجل من الأعداء فلما رأى القائم يصلي عرف أنه حارس القوم فرماه بسهم فوضعه فيه فنزعه حتى رماه بثلاثة أسهم ثم ركع وسجد ثم انتبه صاحبه فلما عرف أنهم قد نذروا به هرب ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدم قال سبحان الله ألا نبهتني أول ما رمى قال كنت أصلي وأقرأ في سورة الكهف فلم أحب أن أقطعها) .
أي همة هذه ؟
أين هذا الجندي من جنود المسلمين .
وما ظنك بجيش هذه عينة أفراده .
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
فاستمع إلى حذيفة بن اليمان يقوم ليلة مع رسول الله : (صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ، ثُمَّ مَضَى فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ فَمَضَى، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ، فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمَّ قَامَ طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى، فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ) رواه مسلم.
وها هو يقوم الليل حتى تتشقق قدماه وتتفطر، فترحم عائشة هذا الجهد منه، وتقول له: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: أَفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا .
وَلَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ صَلَّى جَالِسًا، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ من قيام فعن عائشة قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ وهو قاعد فإذا أراد أن يركع قام قدر ما يقرأ إنسان أربعين آية ثم ركع) متفق عليه .
أما تأثره بالقرآن وبكاؤه وخشوعه صلى الله عليه وسلم فيطول ذكره، قام ليلة صلى الله عليه وسلم بآية واحدة يرددها متأثراً متأملا بمعناها (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تعفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم)
وعن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل يعني : يبكي .
بارك الله لي ولكم ...




الحمد لله ....
أيها الموفق: إن أعظم حادي لك في قيام الليل ما حدث يه النبي صلى الله عليه وسلم، عن نزول الرب جل وعلا في جوف الليل الآخر كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ حيث يقول: (مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ) .
فهل نتعرض لهذه النفحات الربانية ، واللحظات الإلهية .
ما أظلمنا لأنفسنا .
(ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودأ)
(ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا)
(أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءانَاء ٱلَّيْلِ سَـٰجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ ٱلاْخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو ٱلاْلْبَـٰبِ)
وبعد ذلك ليكن بدؤك في رحلة قيام الليل هينا، فعليك يا أخي أن تعالج نفسك بالاستيقاظ في آخر الليل لدقائق معدودة، في ركعات معدودة في هذه الليالي الطويلة، والتي كان السلف يعدونها الغنيمة الباردة .
تقوم تذكر الله، وتستغفره، وتطلب ربك حاجتك، وتلح في مسألتك .
وحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم الوتر بركعة وبثلاث، وبخمس وبسبع، وبتسع وبإحدى عشرة ركعة، تقرأ فيها ما تيسر من القرآن من محفوظك أو من المصحف .
ثم اعلم بعد ذلك أن الله وضعك على عتبات الطريق، فعندئذ اعمد إلى ورد من القرآن تقرؤه ولو في المصحف، في سكنات الليل،
فعليك بنسمات السحر، ثم ناج ربك ومولاك بدعوات، وابتهالات، وانظر بعد كيف سيكون قلبك .
فمن السلف من جاهد نفسه لقيام الله لعشرين سنة قال ثم ها هو ينعم بلذته منذ عشرين سنة .
اللهم أعنا على ....















التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 09:40 مساءً الثلاثاء 1 يونيو 1446.