الحمدُ لله ربِّ العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد .
وأشهد ألا ...
أما بعد :-
فقد أذن الله بنزول المطر ، فأفرغ السحاب مابه ، فترى الودق يخرج من خلاله ، وتباشر الناس بأخباره ، وتساءلوا عن جهاته ومدى انتشاره
أرأيتم كيف اهتزت الأرض وربت ، و تطهرت به الأبدان والأقدام به ثبتت .
(وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام) .
أرأيتم كيف انتعش مرضى الحساسية ومن يؤذيهم الغبار كيف أذهب الله بالمطر أذية ما يجدون ، فهم بآثار رحمة الله يستبشرون ؟
(الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفاً فترى الودق وهي قطرات الماء يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها)
عباد الله : إنَّ نزول المطر لم يكن يوماً حدثاً طبعياً منفصلاً عن علم الله وتقديره ، ولا أمراً عشوائياً خارجاً عن حكمة الله وتدبيره بل نزوله بعلم الله (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث) ، وتصريفه بتقدير الله (ولقد صرفناه بينهم ليذكروا)
وإسكانه في الأرض لحاجة العباد بحكمة الله (وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض)
فهل في نزول المطر عبر أو عظات ؟
إي ، والله ، إنَّ في نزول المطر شيئاً من بيان عظمة الخالق الرازق وقد لفت الله أنظار عباده لينظروا في حقيقة هذا الماء النازل .
(أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعاً تأكل منه أنعامهم وأنفسهم)
والأرض الجرز هي الأرض اليابسة التي لا نبات فيها .
فأنزل الله من السماء ماء بقدر فسالت أودية بقدرها ، وجعل الله نزول المطر من عُلْوٍ ليعم سقيُه وهاد الأرض وتلالها ومنخفضها ومرتفعها . ولو أتاها من تحتها لتعذر على الناس سكناها ولو أتاها من أطرافها عن يمينها وشمالها لم يستفد مَن بأعلاها إلا بعد أن يغطي من بأسفلها فسبحان اللطيف الخبير .
و من عبر هذا المطر الذي ينزل أنه لا ينزل إلا بأمر الله فلقد وكَّل الله بهذا السحاب ملكاً يسوقه حيث شاء الله .
فميكائيل موكل بالقطر والنبات اللذين يخلق الله منهما الأرزاق وبهما حياة الناس والأنعام والأقوات .
فالرياح تلقح السحاب ثم يصرف الله الرياح فتسوق السحاب إلى الأرض التي يأذن الله بسقيها فقد تتخطى مكانا إلى مكان وتترك قرية إلى قرية أخرى , بل قد يؤمر أن يسقي زرعاً لفلان دون زرع فلان .
واستمع واعتبر بما حدَّث به أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم حين قال : " بينا رجلٌ بفلاة من الأرض فسمع صوتاً في سحابة : اسق حديقة فلان ، فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرَّة ، فإذا شرجة من نلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله .
والشرجة : مسيل الماء .
فتتبع الماء فإذا رجل قائم في حديقته ، يحول الماء بمسحاته ، فقال له : يا عبد الله ، ما اسمك ؟
قال : فلان ، للاسم الذي سمع في السحابة .
فقال له : يا عبد الله ، لم تسألني عن اسمي ؟
قال إني سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان لاسمك ، فما تصنع فيها ؟
قال : أما إذا قلت هذا ، فإني أنظر إلى ما يخرج منها ، فأتصدق بثلثه ، وآكل أنا وعيالي ثلثاً وأرد فيها ثلثه ) رواه مسلم .
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (ما من عام أمطر من عام ولكن يصرفه حيث يشاء ثم قرأ (ولقد صرفناه بينهم) رواه الحاكم وقال على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ، ورواه البيهقي
من أعظم عبر نزول المطر وحياة الأرض به أنه مثال لحياة الناس في قبورهم وخروجهم ليوم نشورهم ، فقد ضرب الله المثل لإعادة الحياة إلى الجثث الهامدة والعظام البالية بإحياء الأرض بعد موتها (والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور)
(والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتاً كذلك تخرجون)
(ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير)
وفي معنى ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " يصعق الناس ثم ينزل الله مطراً كأنه الطلُّ فتنبت منه أجساد الناس " رواه مسلم (4/2258)
إنه مثال لحياة القلوب بعد قسوتها ، ورجوعها بعد فسقها فالذي يحيي الأرض بعد موتها قادر على إحياء القلوب بعد موتها ، ولينها بعد قسوتها فالماء حياة للأرض والوحي حياة للقلوب (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكون كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون) ثم قال تعالى بعدها (اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون) .
فما أعظم حياة الأرض بعد موتها ، وأعظم منه حياة القلوب بإقبالها على وحيي ربها ، واطمئنانها إلى خالقها .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم .
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولجميع المسلمين .
الحمد لله
أما بعد :-
فيقول الله تعالى (أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ ) أجاج أي: شديد الملوحة .
وفي صحيح البخاري ومسلم عن زيد الجهني أنه قال: صلى بنا رسولُ الله الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت بليل، أي: بعد ليلة ممطرة، فلما انصرف النبيّ أقبل على الناس فقال: (هل تدرون ماذا قال ربكم؟) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: (أصبح من عبادي مؤمن بي و كافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: بنوء كذا أو كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب) .
فالنعم تقابل يا عباد الله بالشكر ، وأوَّل الشكر الاعتراف بالقلب أنَّه ما من خير إلا من الله ، وما بكم من نعمة فمن الله .
ثم يتبع ذلك استعمال النعمة في طاعة الله والاستعانة على مراضية والاستقامة على مراده والله تعالى يقول (وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً) ، أي : لو استقاموا على طريقة الهدى وملةِ الإسلام قولا وعملا واعتقادا لأسقيناهم ماءً كثيرا .
أيها الإخوة المسلمون، لقد علّمنا رسول الله أدعية وأذكارا تقال آناء الليل وأطراف النهار، ومنها ما هو مخصوص بحسب الحال والمكان، وما ذلك إلا ليبقى المسلم دائما متصلا ومتعلقا بربه جل وعلا، ذاكرا وداعيا إياه مستغيثا ومناجيا.
روى البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله كان إذا رأى المطر قال: (اللهم صيبا نافعا) ، وعندما يتوقف كما تقدم يقول: (مطرنا بفضل الله ورحمته)
وكان يحسر عن ثوبه حتى يصيبه من المطر ، فسئل عن ذلك فقال لأنه حديث عهد بربه رواه مسلم .
وإذا نزل المطر وخشي منه الضرر دعا وقال: (اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر) .
وإذا هبت الريحُ نهانا عن سبّها لأنها مأمورة، وكان يدعو بهذا الدعاء: (اللهم إني نسألك خيرها، وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به).
وجاء في الأثر بسند صحيح عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: (سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته).
فلا ينبغي للمسلم أن تفوته مثل هذه الأدعية و الأذكار.
أيها الإخوة: خرج كثير من الناس على إثر نزول المطر إلى البر متتبعين آثاره ناظريه في مسايل شعابه ووديانه فلله الحمد خرجوا من منازلهم باختيارهم آمين فرحين .
ولكي تعرف نعمة الله وسابغ فضله لا تنس أن هناك من خرجوا من بيوتهم مضطرين غير مختارين على إثر تهدهما وتسوية جدرانها بأرضها، خرجوا عزلا من كل شيء يرجون السلامة في أبدانهم، والنجاة لمن بقي من أفراد أسرهم .
فشتان بين الخروجين .
ألا توجب هذه دعوة صادقة لهؤلاء المبتلين الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله .
ثم ألا توجب هذه شكر نعمة الله أن فضلنا على كثير من خلقه ألا إن شكر هذه النعمة بأن تخلو هذه الرحلات مما لا يرضاه الله فالصلاة لها ميقات معلوم فمن أخرها عن وقتها فلا صلاة له إلا من عذر .
وحفظ المحارم واجب يسأل عنه الإنسان فنشوة البر وفرحة اجتماع العائلة لا يجوز أن تنزع الحياء من بناتنا فيكن مع الرجال الأجانب عنهن، حتى وإن كانوا من أقاربها ما داموا غير محارم لهن .
والقريب غير المحرم قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم إنه الحو أي الموت أي احذر منه، كما تحذر من الموت .
والحجاب واللباس الساتر واجب في كل مكان حتى توصد أبواب شياطين الإنس والجن .
حفظنا الله وإياكم بحفظة ....