الحمد لله معز من أطاعته بطاعته، ومعين من استعانه بتوفيقه.
ومذل من عصاه بخذلانه وسوء عاقبته .
وأشهد ألا إله إلا الله الواحد في أمره وتدبيره.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده بفعله وقيله صلى الله عليه وعلى ...
أما بعد:-
فعام هجري جديد، وتسلط وعدوان على هذا الدين وأهله أكيد.
وقد نهينا عن التشاؤم، فلا تشاؤم إذن بل هو تفاؤل فما بعد الشدة إلا فرج وتسديد .
وشرط ذلك عود للدين حميد، واستقامة ورأي رشيد !
عباد الله : إنَّ الله أعطانا من نبأ أعدائنا خبراً ، وبين شدَّة عداوتهم لتبقى لنا معلماً وذكرى .
يقول الله تعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم )
وقال تعالى (ما يودُّ الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خيرٍ من ربكم)
وأما تفاوتهم في العداوة فقال الله تعالى في ذلك : (لتجدنَّ أشدَّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا)
فأشدُّ الناس عداوة للمسلمين هم اليهود وإخوانهم الذين أشركوا، والكفر ملة واحدة .
فاليهود شرقوا بالدعوة الإسلامية، عادوا النبي صلى الله عليه وسلم حسداً من عند أنفسهم، وهم يعرفونه ويعرفون صدقه (الذين آتيناهم الكتب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم)
وما زال اليهود يكيدون الدَّعوة وينقضون العهود المبرمة في كل فرصة يستطيعونها .
لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وكان فيها قبائل اليهود الثلاث بنو قينقاع ، وبنو النضير ، وبنو قريظة عقد معهم عهداً ألا يخونوا ولا يغدروا ، ولا يعينوا أحداً على المسلمين .
ومن تأصل الشر في نفسه، والخيانةُ في طبعه أيؤمن جانبه؟
نقضوا العهود مع النبي صلى الله عليه وسلم تباعاً، نقض بنو قينقاع العهد بعد أن نصر الله رسوله في بدر فأخلوا بالأمن ، فأجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة .
وأظهر بنو النضير الغدر بعد غزوة أحد فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نصره الله عليهم ، وقذف في قلوبهم الرعب .
وأما بنو قريظة فنقضوا العهد لما تحزَّبوا مع أحزاب المشركين غير مبالين بالاتفاق السابق فأمر الله نبيه بقتال بني قريظة بعد عودته من الخندق فبادر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع الفساد وعقوبة الخائبين ، وقال لأصحابه " لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة" حسماً للقضية وإنهاء للأذية وغيرة لدين الله وحمية .
فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكم الصحابي سعد بن معاذ رضي الله عنه .
فحكم فيهم حكم من لا تأخذه في الله لومة لائم أن تقتل مقاتلتهم لأنهم ظلمة وتسبى ذريتهم، ونساؤهم لأنهم لا ذنب لهم وهؤلاء هم المدنيون في التعبير الحاضر فلا يتعرض لهم بقتل .
فوافق حكمه حكم الله من فوق سبع سموات، فلله دره!!
وتتمةً لسلسلة غدرهم حاولوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم مرات عديدة .
فلما فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر أهدت امرأةٌ يهودية للنبي صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة فأكل منها أكلة أثرت عليه إلى حين وفاته فكان يقول صلى الله عليه وسلم : " ما زلت أجد أثر الأكلة التي أكلتها من الشاة يوم خيبر، وهذا أوان انقطاع أبهري " أي عروقي .
عباد الله : إنَّ عداوة اليهود للمسلمين عداوة يؤكدها اليهود أنفسهم ولا يتورعون عن التصريح بها، فهذا حيي بن أخطب أحد زعماء اليهود ينظر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول " والله ما لمت نفسي في عداوتك ، ولكن من يَخْذُلِ الله يُخْذَل "
يقول ذلك: وهو يقدَّمُ للقتل جزاء خيانته .
فهذه إشاراتٌ سريعة لمكائد اليهود، والرسولُ صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم والإسلام في مهده .
فكيف كيدهم وحقدهم بين وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد أمن بعض المسلمين جانبهم، وركونهم إليهم، فلن ينتهي شغبهم عند حدٍّ، وهم يجدون لإفساد الآخرين سبيلاً ، والنكاية بغير اليهود طريقاً .
كيف لا ؟ وهم يقولون : نحن أبناء الله وأحباؤه .
وكيف لا يفعلون ذلك وهم يرون كلَّ شعب دون شعب اليهود بل كل شعبٍ يجب أن يكون خادماً لليهود
(ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيلٌ) .
فاليهود وراء كل فساد عريض ، فرَّقوا دولة الإسلام إلى دويلات، واجتهدوا في تفريق قلوبهم إلى أحزابٍ واتجاهات، فتمزَّق الجسد الواحد .
جانب كبير من الجرائم في العالم كانت من تنظيم اليهود، ترويج المخدرات وتنظيم بيوت الفساد ونشر المطبوعات القذرة والروايات السافلة والأفلام الخليعة والمواقع الإباحية هي في معظمها من أعمال اليهود .
أغرقوا المسلمين بالفتن فتحوا لهم أبواب الشهوات فجرّوا شباب المسلمين واستدرجوهم إلى ما جعلهم لقمة سائغة في أفواههم .
وصدق الله (والفتنة أشد من القتل)
إنَّ هذه الأعمالَ الخبيثة في الأمة الإسلامية لا تقلُّ ضراوة عن أعمالهم اليوم في أهل فلسطين، وفي غزة بخصوص وتقتيلهم للمسلمين رجالا ونساء صغاراً وكباراً .
تقصف البيوت على رؤوس أهلها، لم تسلم المساجد، والمستشفيات من إجرامهم .
يتخطفون الناس من منازلهم، ويقتلونهم في أسواقهم ، سحقاً لمخيماتهم ، وتشريداً وسجناً لمن وقع في أيديهم .
شعارهم " دمروا الإسلام أبيدوا أهله "
فما أعظم حلم الله !
وما أهون الخلق إذا ضيَّعوا أمر الله !
وماذا ينتظر المسلمون من قوم سبوا الله وعادوا رسله .
ماذا ينتظر المسلمون من قوم قالوا : إنَّ الله فقيرٌ ونحن أغنياء، ومن قوم قالوا : يد الله مغلولة !.
غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا .
أيها الإخوة: إنَّ المسلم ليحزن أن تصل حال المسلمين إلى هذه الدرجة من تسلط الأعداء يسومونهم سوء العذاب يذبحون أبناهم ويستحيون نساءهم .
إن المسلم ليحزن، ولكن لا يجوز له أن ييأس من روح الله فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون .
ولكن المسلم يرى إن شاء الله أنَّ في هذه الأحداث تمحيصاً وتطهيراً للمسلمين الذين طالما انكبوا على ما حرَّم الله ، واستهانوا فيما أوجب الله .
أضاعوا الصلاة ، أكلوا الربا ، قطعوا أرحامهم ، ظلموا أنفسهم بالمعاصي دقيقها وجليلها .
ثم إن الواجب على المسلم أن يعلم أن ما يقدره الله من سوء وتسلط أعداء على طائفة من بلاد المسلمين هو نذير لعموم المخالفين أن يصيبهم مثلُ ما أصابهم فيصبحوا على ما فرطوا في دينهم نادمين .
(فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصبهم عذاب أليم ) .
(أو لا يرون أنهم يفتنون في عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون)
الحمد لله
أما بعد :-
فأيها الإخوة إنه من ظلم النفس أن يتصور بعض المسلمين أن ما يجري على أرض الشام أو فلسطين هي قضية خاصة في تلك الشعوب الذي قدَّر الله عليه ما قدَّر ثم هو معزل عنها .
ألا فليعلم هؤلاء أن كل من تسول له نفسه أن يقدم على إعاقة المشروع اليهودي الصهيوني فسيكون هدفاً لإسرائيل، دولة كان أو منظمة أو شعباً أوفرداً .
فليست القضية قضية حماس ولا غزة ولا غيرها.
لقد تبين من خلال هذه الأحداث الأخيرة وهو متبين من قبل ولكنه بيان إلى بيان .
تبين أن من تسمى بالقوى العظمى لا تخط خطاً على ورق إذا كان لا يعجب اليهود، فضلاً عن فعل على واقع.
تبين أنَّ مجلس الأمن اسم على مسمى حقيقة فهو مجلس أمن يسعى لتأمين اليهود في أحضان المسلمين .
فالعدوان على المستضعفين من قبل اليهود هو دفاع عن النفس، ومن حق إسرائيل أن تمارسه .
إذن متى يكون الظلم وما تعريفه عند هؤلاء؟
أيها الإخوة :
إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم " لا تتمنوا لقاء العدو
فالمؤمن لا يتمنى لقاء عدوه من اليهود والنصارى وغيرهم لأنَّ هذا من البلاء الذي لا يدري ما عاقبته ؟!!
لا يدري ما عاقبته !
ليس من جهة الله، فالله وعد بنصر المؤمنين ، بل جعله حقاً عليه ألزم به نفسه تعالى (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين) ولكن من جهة سوء ما عندنا، وقلة يقيننا، وضعف مراقبتنا .
(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له وما لهم من دونه من وال)
إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصبر (فإذا لقيتموهم فاصبروا) .
والصبر كما هو ممن هم في وجه العدو، ويواجهون ضربه، وقصفه كذا هو من عامة المسلمين، وان بعدت ديارهم عن المقابلة والمواجهة، فاصبروا عباد الله على دينكم، ولا تخذلوا المستضعفين من المسلمين بذنوبكم، اثبتوا على دينكم منتظرين فرج الله، وحتى يأتي الله بأمره إنَّ الله على كل شيء قدير ، فالأمة الإسلامية مرت بمحن وتسلط عليها أعداؤها منذ قديم الزمان منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة حتى وقتنا الحاضر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولكن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله " .
وفي صحيح مسلم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : "العبادة في الهرج كهجرة إلي"
والمراد بالهرج الفتن واختلاط أمور الناس .
فانصروا إخوانكم بلزوم طاعة الله ودوام عبادته، والحذر من معصيته، سراً أو علانية .
وما تسلط الأعداء على المسلمين، وصارت قضاياهم ألعوبة المتآمرين إلا لما تخلت عن ربها، ورضيت بالحياة الدنيا واطمأنت بها، وكانت عن آيات الله من الغافلين .
فلا تشغلنكم ملاحقات الأخبار وتتبع الأحداث والصور عن الاتعاظ والعبر .
عباد الله : انصروا إخوانكم بالدعاء لهم، ولا تستقلَّوا شأن الدعاء ، فالمسلمون مظلومون في كثير من بلاد المسلمين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب " .
يقول شيخ الإسلام رحمه الله - : " النية الخالصة والهمة الصادقة ينصر الله بها، وإن لم يقع الفعل، وإن تباعدت الديار " انتهى كلامه .
فاللهم مكّن للمسلمين في ديارهم وآمنهم في دورهم وردَّ عنهم كيد أعدائهم
اللهم اكتب للمستضعفين في بلاد الشام وفلسطين وغيرها فرجاً عاجلاً
اللهم عليك باليهود الحاقدين
اللهم عليك بالنصارى الصليبيين الظالمين .
اللهم عليك بالرافضة المنافقين، والنصيريين الفاسدين .
اللهم اجعل تخطيطهم تدميراً عليهم ...
اللهم وفق ولاة أمرنا لكل خير .
اللهم اكتب لولي أمرنا عافية في بدنه، وصواباً في رأيه، وصدقاً في بطانته .
وانصر به الحق وانصر به يا قوي يا عزيز .
أيها الإخوة: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام عاشوراء فقال : احتسب على الله أن يكفر السنة الماضية
وعاشوراء هو يوم السبت ما بعد القادم ، والسنة أن يصام قبله يوم الجمعة لتحصل رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في مخالفة اليهود .