نقاط الخطبة :
1. مقدمة حول قصة بقرة بني إسرائيل .
2. عرض القصة كما بينها الله .
3. الغرض من القصة تنبيه الصحابة على نفسية اليهود
4. قوم منعوا بقرة لن يعطوا أرضا .
5. سوء الأدب مع الأنبياء وورثتهم من أخلاق اليهود.
6. الحذر من قسوة القلوب بعد الآيات والنذر.
الحمد لله أنزل كتابه هداية للراغبين، وحجة على المعاندين .
وأودع فيه من القصص ما يدل على وحدانيته، وكمال حكمته .
وما يدل على صدق رسوله المبلغ عنه صلى الله عليه وعلى آله الطيبين المخلصين .
أما بعد :-
فجريمة تمت على حين غفلة من الناس لم يعرف فاعلها، وتدافع الناس التهم فيها .
ولم تكن هذه الجريمة أول جريمة قتل ولن تكون آخرها.
ومع هذا سوف نجعل حديثنا إن شاء الله - حولها لأنَّ الله سجلها لنا، وأعلم بها نبيه صلى الله عليه وسلم في أوائل ما أعلمه به، وهي قليلة في آياتها فآياتها ثمان آيات، ولم ترد في القرآن إلا مرة واحدة، ولعظم دلالات هذه القصة حملت السورة التي تبلغ آياتها مائتين وستا وثمانين آية اسم هذه القصة إذن هي في سورة البقرة، إحدى الزهراوين وقد قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم \" اقرؤا الزهراوين \" البقرة وآل عمران .
فما هذه القصة ؟
إنها قصة بقرة بني إسرائيل حدثت في عهد موسى عليه السلام ؟
وما أدراك ما موسى عليه السلام ؟
نبي من أولي العزم من الرسل عالج من بني إسرائيل الشيء الكثير، قال النبي صلى الله عليه وسلم \" رحم الله أخي موسى لقد أوذي بأكثر من ذلك فصبر \"
ابتدأ الله القصة بقوله (وإذ قال موسى لقومه إنَّ الله يأمركم أن تذبحوا بقرة)
فهو مبلغ عن الله في كل شيء ولكنه في هذا الموقف بخصوصه توقع أذية ومماطلة جديدة فاختار لنفسه أن يتجرد من أي توجيه منه، أو مشورة فهو واسطة لنقل وحي الله في الموضوع ومع ذلك ما توقعه وقع، وتعنت الجهال إليه قد بلغ .
أما سبب أمر الله أن يذبحوا بقرة فقد بينه الله تعالى في آخر القصة، وإنما أخره مبادرة في بيان ذلك الموقف المشين في التعامل مع هذا النبي الكريم .
يقول تعالى (وإذ قتلتم نفساً فادَّارأتم فيها - أي تدافعتم التهمة فكل واحد يحاول التبرؤ من الجريمة، ويلحقها بغيره قال الله تعالى والله مخرج ما كنتم تكتمون مخرج ومبين القاتل بدليل حسي، وآية يعجزكم ردها .
فاستمع إلى توجيه الله .
أمر الله موسى عليه السلام أن يأمرهم أن يذبحوا بقرة، أيّ بقرة كانت، وذبح البقرة وسيلة لغيره، ولو ذبحوا بقرة هرمة أو معيبة لأجزأت .
ولكن كل إناء بما فيه ينضح، هم قوم ديدنهم الاستهزاء والعبث بأوامر الله .
قيل لهم ادخلوا الباب سجدا فدخلوا يزحفون على استاههم .
قيل لهم قولوا حطة لذنوبنا ومغفرة من آثامنا فقالوا حنطة، همهم بطونهم .
ولهذا قالوا هنا \" أتتخذونا هزوا \"
فموسى رسول من قبل الله، وقد آمنتم به، وينسب التوجيه بذبح البقرة إلى الله، وأنتم الذين جئتم إليه في قضيتكم تريدون حلاً وبياناً للقاتل .
ومع ذلك تقولون (أتتخذنا هزواَ)
فكبر على موسى عليه السلام هذا الجواب، ورآه تهمة تستحق أن يستعيذ بالله منها .
قال : أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين .
فقبل القوم المشاغبون المبدأ، وأيقنوا أن ذبح البقرة بأمر الله، فلا مناص عنه .
فانتقل شغبهم إلى جهة أخرى، تطويلاً للموضوع
(ومن يؤت الجدال فهو يرد من كل أبواب الضلال)
سألوا عن سن هذه البقرة، فقيل لهم: (إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ) والفارض: الكبيرة المسنة، والبكر: الصغيرة، فهي لا كبيرة، ولا صغيرة، عوان بين ذلك، وسط بين العمرين .
فبدأت الدائرة تضيق فلن تجزيء المسنة ولا الصغيرة.
أتراهم اكتفوا بذلك، مع أنَّهم قيل لهم (افعلوا ما تؤمرون)، وقفوا عند هذا الحدِّ من التعنت والتشديد .
ولكنهم لم يُشبعوا بعدُ نهم الشغب، ورغبة المجادلة .
كيف يذبحون بقرة لا يدرون ما لونها ؟
فجاء الضيق مرة ثانية، ولا جرم فهم الذين اختاروا التضييق، إذن هي بقرة صفراء، وليست أي صفراء، بل صفراء ليست صفرتها مزعجة، بل تسر الناظرين .
ثم بعد هذا البيان الذي من شأنه أن يكون توضيحاً يقولون: إن البقر تشابه علينا .
وإنا إن شاء الله لمهتدون .
قد كنتم على هدى مع نبيكم ولكنكم لم تقبلوا هذا الهدى .
فيا سبحان الله .
انتبه فالأسئلة التي لا يريد منها صاحبها الحق، ولا التثيت من الصواب قد يكون شبهة للسائل فينقلب السائل بحيرة بعد حيرة، واشتباه بعد وضوح وإحكام .
فسألوا بعد ذلك ما هي ؟
فجاء الجواب: إنها بقرة ليست من البقر العاملة الذي ذللها الشغل، وحراثة الأرض فـ(هي لاذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث)
فهي بقرة مدللة عند مالكها، أضف إلى ذلك لونها الأصفر الذي سبق ذكره، ليس معه لون آخر فهي صفراء فقط لا شية فيها، أي لا لون غيره معه .
فما أحلم الله على عباده!!
تمت الأوصاف المطلوب، وضبطت حسب جدلهم .
فما بقي أن تشكر الواسطة وهو موسى، ويعتذر عن التطويل الذي رأوه لا بد منه .
وكلُّ هذا لم يحصل .
(قالوا الآن جئت بالحق) أي البين الواضح .
أي: وقبل ذلك لم تأت به .
ورضي الله عن ابن عباس حين قال : \" إنما أمروا بأدنى بقرة، ولكنهم لما شددوا على أنفسهم شدَّد الله عليهم\" .
وماذا بعد ؟
هل بادروا بعد ذلك في طلب البقرة الموصوفة وذبحها ؟
قال الله تعالى (فذبحوا وما كادوا يفعلون)
لماذا ؟
لطول مراجعتهم، ولخوف الفضيحة بتبين القاتل الحقيقي، وجاء أيضا أنهم طلبوها، فلم يجدوها إلا بأغلى الأثمان .
نفعني الله وإياكم بقصص الكتاب، ووقانا برحمته سوء الحساب، واستغفر الله لي ولكم ولجميع ...
الحمد لله ...
ذبحت البقرة وأمر الله أن يضربوا القتيل ببعضٍ من البقرة أيِّ جزء كان .
فضربوا فأحيى الله المقتول، ودلَّ على قاتله، وأراهم الله آية عظيمة ميتا تكلم بعد موته ودلَّ على قاتله قال الله تعالى (ويريكم آياته لعلكم تعقلون) .
فما عقلنا عن هذه القصة، وأي عبر فيها ؟
ألا وإنَّ من أعظم ما يعقل ويفقه من هذه القصة تلكم النفسية اليهود والمزاجية الغريبة التي أشربت محبة الجدل، وتمطيط القضايا، والتلاعبُ كما يقال بالأعصاب .
فهم يبدؤون ويعيدون، ويرجعون من حيث يبدؤون لا من حيث ينتهون.
ذكر الله هذه القصة في أوائل السور المدنية حين انتقل الصحابة، وجاوروا اليهود ذكر الله هذه القصة ليقول للصحابة انتبهوا لنفسية جيرانكم، وخذوا حذركم فإنهم مستعدون لتطويل المجادلة في أتفه القضايا، كما أنهم مستعدون أن يطيلوها في أكبر القضايا، وأكبر ما يهمكم هو أهون ما عندهم .
فإذا كانوا في مراوغتهم لموسى لما طلب منهم أي بقرة هو ما قصَّه الله علينا، فتلكؤا، وما كادوا يفعلون مع أنه يخاطبهم بلسان المبلغ عن الله (إن الله يأمركم)، (قال إنه يقول) .
وهم الذين جاؤوا إليه محتاجين .
فيا معاشر المنتفعين بقصص القرآن .
قوم منعوا وبخلوا ببقرة هل تظنهم يفرطون، ويعطونك أرضاً قد نهبوها لتقيم عليها دولة .
ومع هذا كله لا ترى في هذه القصة تعظيم الخالق، ولا الحياء من المخلوق، فلم ينادوا موسى في جدالهم ولا مرة بوصف النبوة، ولا الرسالة.
فرضي الله عن الصحابة أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين حيث كان نداؤهم لمحمد صلى الله عليه وسلم: يا نبي الله، يا رسول الله، وخبرهم عنهم قال نبي الله، وحدثني الصادق المصدوق، وأوصاني خليل ...
عبارات ملؤها الأخلاق والولاء، والتقدير والثناء.
فمن خرج عن هذه الجادة فلمز نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، أو لمز المبلغين عنه، وتطاول بكلمه أو قلمه فقد تخلق بأخلاق اليهود، وإن قال: هذا نقد وإصلاح .
فقد غرس الله في الفطر الفرق بين الإصلاح والإفساد والله لا يصلح عمل المفسدين .
أيها الإخوة: من خلال هذه القصة يتبين ما قاله عبد الله بن سلام الصحابي الجليل وكان من أحبار اليهود وعلمائهم قال عنهم إنهم قوم بهت .
فهم كذبة يقلبون الحقائق، ويخفون النتائج، ويلصقون تهم الجرائم بغيرهم .
فقتل واحد في زمن نبي الله موسى تدارؤا وتدافعوا التهمة فيه .
فلا غرابة أنْ ينسبوا قتلى حرب إبادة في غزة أو غيرها إلى القوى المقاومة لجرائمهم وعدوانهم .
وحجتهم لماذا يقفون في طريقهم إذن هم السبب ؟!
والجيش اليهودي بريء، يسعى في تحقيق أمنه.
(ملأ الله بيوتهم وقلوبهم خوفاً وذعرا) .
ثم من أعظم ما تبينه القصة من التوجيه الحذر من قسوة القلوب، بعد رؤية الآيات والنذر .
فالمستخفون بآيات الله والمعروض عن سننه الكونية حذرنا الله طريقهم (وذر الذين اتخذ دينهم لعباً ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا) .
وقال الله في عاقبة هؤلاء (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد الحجارة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون