الحمد لله رب العالمين ، جعل الأيام دولا , والحياة فرصاً ، فوفق من وفق
، فعمروا أوقاتهم ، بالتقوى ، وخذل بعدله آخرين ، فلم يسلكوا للخير درباً
، ولم يطرقوا للتوفيق باباً .
وأشهد ألا إله إلا الله ، له الحكم ، وإليه المنتهى .
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وخليله المجتبى ، صلى الله عليه وعلى آله
وأصحابه ، ومن بهداهم اهتدى .
أما بعد:-
فكم هي نعم الله عليك أيها العبد .!
وكم هي الفرص والمغانم في هذه الحياة التي تعيشها !
ولكن ما الذي تستغله منها !
وما الذي تفوته أويفوت عليك ؟
ثم ما الذي حولته بظلمك وجهلك إلى نقم حينما وضعتها في غير موضعها !
(وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا)
حينما نبحث عن شخص جاد في حياته قد عمر وقته في طاعة و ما يعين على طاعة
فلن نجد أصدق مثالا وأقوم حالا من حال النبي صلى الله عليه وسلم .
أعطى أمته دروساً في عمارة الوقت، وشغل فرصة الحياة وحثه على بذل ما
يستطيع (احرص على ما ينفعك) وأمره بالاستعانة وحذره من العجز (استعن
بالله ولا تعجز) .
ولعظم الموضوع وأهميته يأتي التوجيه النبوي مفصلاً معدداً فرصاً للعمل،
وشارحاً ميادين للبذل والإنتاج والمسابقة .
فلنتذاكر في وصايا مفصلة أوصى بها النبي ابن عمه عبد الله بن عباس
وهي وصية لكل أمته أوصى في أمور خمسة وجعلها النبي غنائم تغتنم ومكاسبَ
تكتسب ، فقد روى الحاكم والبيهقي وغيرها عن ابن عباس أن النبي قال له
(اغتنم خمساً قبل خمس حياتك قبل موتك ، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك
، وشبابك قبل هرمك ، وغناك قبل فقرك )
فهذه خمسة مغانم ، إن فرطت فيها فيوشك أن تفقدها إلى ضدها .
فأولها الحياة ، العمر الذي جعله الله زمناً للعمل ، الإنسان قبل هذا
الزمن لم يكن شيئاً مذكوراً ، قال تعالى هل أتى على الإنسان حين من
الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً
فيا من بلغ العشرين ، أو الستين ، أو المائة لم تكن شيئاً مذكوراً ، ثم
وجدت فأبتدأ عمرك إلى مدة الله أعلم بنهايتها ، فهذه حياتك كنت مجهولاً
قبل بدايتها، ثم لم تحط علماً بمقدار عدتها .
فاغتنم يا عبد الله هذه الحياة في عمل صالح ينفعك بعد الممات فإن
لحظة تمر عليك ، لم تزدد فيها علماً نافعاً ، أو عملاً صالحاً هي خسارة
عليك ، وما من ميت يموت إلا ندم فإن كان محسناً ندم ألا يكون ازداد، وإن
كان مسيئاً ندم ألا يكون استعتب ، واقلع عمَّا هو عليه .
كيف ، وأنت ترى السائرين إلى ربهم ، في جنائز تترى ، زرافات ووحداناً .
ثم الغنيمة الثانية : الصحة ، (صحتك قبل سقمك ) إنها نعمة الصحة ، فلا
مرض يؤلم ، ولا علة تثقل ، قد أسبغ عليه ربه لباس الصحة والعافية ،
فبالصحة ينشط الموفق لعبادة ربه ، فهو يذكر الله ذكراً كثيراً ، لا يقطعه
عن ذلك سقم يدافعه ، إن صلى صلى بقوته قائماً راكعاً ساجداً على أتم وجه
، وأكمله ، وإن أراد صياماً يتقرب به إلى ربه ، لم يَعُق عن ذلك تعب
ينتابه ، أو علاج من أجله يقطع صيامه ، فهو يتفيؤ من العبادات ألواناً ،
ويأخذ من جملتها أفناناً ، فهذه حال مغتم الصحة قبل السقم ، إذ بالسقم
تثقل العبادات ، وتفتر الهمات .
وإن كان سقمه مع احتسابه يكفر به السيئات ، ويرفع به الدرجات، ولكن تبقى
الصحة مغنماً قبل السقم .
وأما الغنيمة الثالثة : فهي الفراغ قبل الشغل ، وأعظم الفراغ وأهمه فراغ
القلب ، من هم لمستقبل ، أوحزن على ماضي ، فحينئذ يعيش العبد مطمئناً في
قلبه ، منشرحا في صدره ، لا يرى في الدنيا من هو أسعد منه، فيقبل على
مصالح دينه ودنياه على أحسن حال ، وأتم استعداد
فالفراغ بهذه الصورة غنيمة يغتنمها المؤمن قبل أن يفاجئه ما يشغل قلبه ،
ويشتت همته ، فيصبح مشغولاً بمدافعة ما نزل به ، من مرضٍ نزل به، أو
بحبيب إليه ، أو بانتظار غائب لا يدري ما صنع الله به ، أو بتطلعِ أمر
مجهولٍ لديه يحتاجه لا يدري ما وراءه .
ومشاغل القلب لا تحصى ، وصوارف البال تتجدد .
وأما الغنيمة الرابعة ، فهي الشباب قبل الهرم ، الشباب زمن الفتوة
والقوة، والنشاط والحيوية ، في الذهن ، والبدن فهو فرصة ومغنم لمن اغتنمه
، ولذا كان أحد الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله شاباً نشأ في
طاعة الله .
فيا أيها الشاب أنت تعيش فرصة بل غنيمة ، أترى استغلالها في الذهاب
والمجيء ، والجلسات الطويلة ، والاتكالية المذمومة ، وبذل المال فيما لا
تحمد عاقبته، أترى ذلك يحصل به اغتنام هذه الفرصة ، وشكر هذه النعمة .
فتش في نفسه ، ونقب في رفاقك .
وأما آخر المغانم المذكورة في الحديث فهي غنيمة الغنى قبل الفقر ، وهي
الجِدة والسعة في الرزق لمن بسط الله له رزقه ، فهي غنيمة لمن عرف قدرها
، ينفق على أهله بسخاء نفسه ، يزكي ماله ، ويتصدق على الفقراء ، يعين
حاجاً ، ينشر كتاباً ، يوزع شريطاً ، ومجالات الخير كثيرة .
وقد سبق أهل الدُّثور بالأجور
فاعرف يا عبد الله ، هذه المغانم ، وانظر في نفسك ، واستعن بالله ، ولا
تعجز . أقول قول هذا واستغفر الله لي
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، أحمده سبحانه وأشكره ، وأتوب
إليه واستغفره ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ
محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله ، صلوات الله وسلامه عليه ، وعلى آله
وصحبه ، ومن تبعهم بإحسان .
أما بعد :-
قال ابن مسعود رضي الله عنه " ما ندمت على شيء ، ندمي على يوم غربت
فيه شمسه ، نقص فيه أجلي ، ولم يزدد فيه عملي " .
فاغتنموا رحمكم الله - الفرصة
ومن استغلال الفرص المبادرة في أداء الحج فمن استطاع في بدنه وماله بعد
قضاء الواجبات والنفقات الشرعية ، والحوائج الأصلية فليبادر .
لأنَّ الله تعالى يقول " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا"
والدين مقدم على الحج إلا ديناً يقول صاحبه : إنَّ بقائي وعدَمه لا يؤثر
على الحج كالديون المقسطة ، في السيارات أو غيرها ، ويؤمل لها الإنسان
سداداً من مرتب أو غيره فلا تمنع الحج .
وإنما الدين الذي يقدم على الحج هو الدين الذي يزاحم الحج فإما أن يحجَّ
أو يقضي دينه فيقال له اقض دينك ، وأخر الحج حتى تستطيع .
عباد الله : أعينوا أولادكم على الحج ذكورهم وإناثهم إذا كانوا قادرين
على ذلك ، واحذروا منعهم بلا سبب صحيح
المرأة إذا لم يكن عندها محرم من أب ، أو ابن ، أو زوج فلا حج عليها حتى
تجد المحرم يقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تسافر المرأة إلا مع ذي
محرم " متفق عليه . وفقني الله وإياكم لفعل طاعته