• ×

د.عبدالرحمن الدهش

خطبة الجمعة 20-10-1433هـ بعنوان شأن العلم

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  2.9K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدى محمد صلى الله عليه وسلم ،
وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة .
حديثي إليكم - معاشر الإخوة عن شيء أعظم الله شأنه ، ورفع المنتسبين
إليه ، والمشتغلين به .
تطوى أعمارهم ، وتبقى آثارهم .
من حصله فهو علامة إرادة الله بعبده الخير ، قال النبي صلى الله عليه
وسلم : " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين " متفق عليه .
إنه الفقه في الدين والعلم بشرع رب العالمين .
العلم الذي به يكون الإنسان في هذه الدنيا على بينة من ربه ، وعلى بصيرة في دعوته .
(قل إني على بينة من ربه وكذبتم به )
(قل هذه سبيلي ادع إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني )
العلم الذي يغلق الإنسان به باب الشرك وأسبابه ، قال ابن عباس رضي الله
عنه في قوله تعالى (ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً )
قال : (هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى
قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها
بأسمائهم ففعلوا ولم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت) .
وبالعلم يسلم الإنسان من دجل الدجالين ، وإرجاف المرجفين الذين يدعون علم
الغيب ، ويتكهنون للناس في حظوظهم ، ويدَّعون معرفة المستقبل لهم
وكيف لا يسلم من ذلك بعد أن عرف قول النبي صلى الله عليه وسلم " من أتى
كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " رواه أبو داود ؟
وبالعلم يقضى على البدع ، ويقل سوقها ، ويعرف به مروجوها والمبالغون في
استحسانها .
وبالعلم يعرف ما كذب على النبي صلى الله عليه وسلم وتناقله الجاهلون في
فضائلِ أعمالٍ تعمل ، أو عقوبات تنقل عبر منشورات توزع ، أو كتيبات تدفع
بالعلم ينحو الإنسان من الفتن التي تعصف بالناس ، فتغير عقائدهم وتفسد توجهاتهم .
بالعلم يعرف الإنسان أصحاب الأهواء ، ومتَّبعي الشهوات ، ويعرف الذين في
قلوبهم مرض من خلال كتاباتهم ، وإبداء آرائهم (ولتعرفنهم في لحن القول) .
بالعلم ينتهي فضول بعض المعبرين ومفسري الأحلام الذين يفسدون ولا يصلحون
، ويوهمون الناس ، ولا يحسنون .
بالعلم يقلع الإنسان عن معصية ربه (إنما يخشى الله من عباده العلماء) ثم
إذا زلت قدمه وعصى مرة ثانية أو ثالثة ، أو أكثر فهو يُهْرع إلى ربه ،
ولا يدع للشيطان سبيلا إلى قلبه ولا للقنوط مدخلاً في نفسه .
فهذه بعض آثار العلم ومحاسن التعلم .
سلامة في المنهج وصحة في العقيدة ، وحسن في المعاملة .
وإنَّ العلم الذي هذه بعض ثماره ليس خاصاً بطائفة معينة ، ولا يقف تحصيله
عند حدٍّ معين من سنٍّ أو رتبه .
وهم القوم لا يشقى بهم جليسهم .

ولله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعو ربه أن يزيده من العلم (وقل
رب زدني علماً ) ، ولم يؤمر الله نبيه أن يتزود من شيء إلا من العلم .
فيخاطب بالعلم كل مسلم أراد الرفعة في الدنيا والآخرة (يرفع الله الذين
آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات )
ويخاطب به العامي في سوقه ، والعامل في عمله ، والموظف في وظيفته ، ورب
الأسرة ، والمرأة .
وهكذا هدى الصحابة رضي الله عنهم - مع نبيهم صلى الله عليه وسلم كلٌّ
يحضر مجلسه ، ليتفقه في دينه وينظر في أمر ربه .
إلا أنَّ أعلا المشتغلين بالعلم من تفرغ له، وثنى ركبتيه من أجله، ووسم
نفسه بطالب علم فهو ينقلب من درس لآخر يستجمع أكثر ما يستطيع من ميراث
النبوة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن العلماء ورثة الأنبياء ،
وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ، إنما ورثوا العلم فمن أخذه
أخذ بحظ وافر " رواه أبو داود وغيره ، وهو حديث حسن .
فما أشرف هذا المقصد، وما أعظم القصد ولهذه الطائفة وهم يشهدون تزاحم
الإعلانات للدروس العلمية والدورات الشرعية، في هذه المحافظة فأقول : لا
تنسوا أن طلب العلم عبادة يتقرب الإنسان به إلى الله وقال النبي صلى الله
عليه وسلم " من سلك طريقاً يبتغي به علماً سهَّل الله له طريقاً إلى
الجنة " رواه أبو داود والترمذي .
فاخلصوا النية لله ، كيف وأنت تقطع جزءاً من وقتك في مجالس الدرس، وتمضي
زهرة يومك ؟
فاحرص أن تكون على نية صالحة .
أيها الإخوة: الدروس العلمية في بيوت الله رياض من رياض الجنة لا كبرَ ،
ولا حياء فلن ينال العلم مستح ولا مستكبر ، يتشبه الإنسان بالسلف الصالح
، بل بالصحابة مع نبيهم صلى الله عليه وسلم .
تبذل وسعك ، وتستفرغ طاقتك ، ولا تستكثر جهداً تبذله ، ولا تستطيل وقتاً
تقضيه فالعلم لا ينال براحة البدن .
ودراسة العلم على المشايخ الموثوقين وطلاب العلم المتمكنين فيها اختصار
للوقت، وأمان من الخطأ، والجنوح في الفهم . فالمعلم يجمع المتفرق ، ويقرب
البعيد فتنال في الوقت القصير ما يمضي فيه غيرُك الوقتَ الطويل
رزقني الله وإياكم الفقه في دينه ، ومعرفة أحكامه .


الثانية :
التذكير بأهمية العلم والتعلم مناسبته في كل وقت ولكن حينما تدبر الأمة
عن ميراث النبوة، وتنشغل عنه بغير شغل .
وحينما يمتطي الجواد من ليس بفارس له، وحينما تتشعب الأقوال وتروج الفتوى
عارية من الدليل والتعليل الصحيح، ويقول في أمر الشرع من لا يحسن الشرع
في نفسه، وتسمع عجايب الأقول والآراء أكثر من صحيحها وسديدها في ظل هذه
الظروف يتأكد التذكير بالعلم والتواصي به.
من كان يتصور أننا في مجتمعنا المحافظ سوف نحتاج يوماً إلى أن يتكلم
العلماء على حرمة الاختلاط وجمع أدلته! ومن كان يتصور أن يوجد من يلبس
الباطل الذي ينادي به لباس الحق، ليروج سلعته، في قضايا فطرية الغيرة
تمنعها، والشرعة تحكمها .
كل هذا حدث .
ولم يقف الأمر على قول دون فعل فهاهم دعاة الاختلاط في هذا البلد المبارك
يتحينون فرص انشغال الأمة بقضاياها الكبرى ليمرروا مخططات التغريب في
التعليم أو غيره .
ولهم أعمال من دون ذلك، وفوق ذلك هم لها عاملون! ولا نقول: إلا حسبنا
الله على هذه الطائفة، ونسأل الله أن يبصر حكومتنا بخطرهم، وأن يدركوا
أنهم معول هدم لأمننا ووحدتنا، وصلاح ديننا ودنيانا .
وأن هذه الأعمال الاستفزازية هي بذرة سوء بين الراعي والرعية لها عواقب
وخيمة، يفرح بها العدو ويتشفى بها الحاسدون .
أيها الإخوة: فالمؤمن العاقل يرى أن العالم من علماء المسلمين في أي زمن،
وإن بعد مكانه أنَّه جزء من أمان الأمة، وبقيت من آثار النبوة، وإنما
يحمل هذا العلم من كل خلف عُدُولُه ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال
المبطلين وتأويل الجاهلين .
فلا تزال الأمة ما دامت تعرف قدر علمائها على خير وهدى، ولا تزال الناشئة
في مأمن من الزلل ما عظمت شيوخها، وقبلت رؤوسها تعظيم شرع وتقى لا تعظيم
غلو وهوى .
ولا تزال الأمة بخير ما دامت متنبهة للذين يلمزون العلماء، ويحطون من
قدرهم، ويقولون هم رجال ونحن رجال، وذهبت أحادية الرأي، وكل ليقل ما عنده
وساحات الحوار مفتوحة .
أسف على خلط المفاهيم، والتعمية، وتلبيس الباطل لباس الحق .
أما أن العلماء رجال وهم رجال فصدقوا وكذبوا فالعلماء رجال صدقوا ما
عاهدوا الله عليه، وهؤلاء المتقولة ذكور وليس رجالا، ولو كانوا رجالا ما
هونوا من شأن الرجال، فلا يهون من شأن المعالي إلا من عجز عن وصولها،
فلما كانت الأمة (حكومة وشعبا) ببقية الخير التي أبقاها الله فيها مقبلة
على علمائها غاضهم هذا فرفعوا رؤسهم وامتطوا أكتاف العلماء يردون عليهم،
ويناقشون فتاويهم يقولون للناس نحن هنا، فإن وجدوا من يتعقبهم فهو أسعد
أيامهم، وذروة نشوتهم أن يقترن اسمه باسم عالم من علماء المسلمين، ولو
كان العالم يرد عليه، ويبين سطحية ثقافته، وقصر نظره .
المهم أن يذكر، وإن كان على حد قولهم إذا أردت أن تذكر فأت بمنكر .
ثم هم يدفعون الملامة عنهم أنهم وطَّنوا أنفسهم على النقد
وهذه وجهة نظر .
ولا يزالون يدفعون سوءة تلاحقهم، ويتسللون لواذا .
ولكنَّ الله غالب على أمره .
ليميز الله الخبيث من الطيب .
(أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء
فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بمايصنعون) .


التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 09:35 مساءً الثلاثاء 1 يونيو 1446.