إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين أما بعد: - فحينما يقضي العامل عمله يتطلع لأجرته، وهذه الأجرة حق على المستأجر لا تجوز المماطلة بها، ولا نقصان شيء منها (ومطل الغني ظلم) . وإجارات الدنيا على قدر العمل، ويفوت من الأجرة بمقدار ما فوت العامل من عمله . هذا إن سلم من الحسومات الجزائية، والخصومات التأخيرية. فكيف بالأجر العظيم، والأجرة الوافية ليست على قدر العمل ولا مقاربة منه، بل إن العمل لا يساوي شيئاً عند الأجرة ولا يقارب . إنها أجرة ذي الفضل والإحسان، أجرة من يعطى بلا حد ولا عد . (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) قال النبي صلى الله عليه وسلم (إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة) (والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير) هذه بشائر نعرج عليها بعد أن صام الناس وتصدقوا وقرأوا و قاموا، ثم هاهم يعادون رغبتهم بفضل الله ومزيد فضله ممتثلين حديث أبي أيوب الأنصاري في صحيح مسلم فلا إشكال في ثبوته، وإن قالوا: قال النبي صلى الله عليه وسلم (من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر كله). ستة من بادر فيه فغداً آخرها، ومن لحق بهم فشهر شوال كله فرصة لها، يوالي صيامها أو يفرقها، ولكن بعد أن يقضي ما عليه من رمضان إن كان عليه ما يقضى . وظائف تعبدية يتنقل بينها المؤمنون مغتبطين بمنة الله عليهم معترفين مشفقين من تقصيرهم (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: لن يدخل أحد الجنة بعمله! قالوا وأنت يا رسول؟! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) . أيها الإخوة: دعونا نتذاكر شيئاً مما عند الله لعباده يقول ربنا عز وجل(وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين) سارعوا إلى دار فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، و لا خطر على قلب بشر. إنها الدار التي جعلها الله عاقبة للمتقين، ونهاية للعاملين، ومستراحاً للمؤمنين وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون، قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين، فمنَّ الله علينا ووقانا عذاب السموم إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم وإن أهلها لا يبصقون فيها، ولا يمتخطون، ولا يتغوطون. آنيتهم وأمشاطهم الذهب والفضة، ومجامرهم من الألُوَّة ، أي: توقد مجامرهم، أي مباخرهم بهذا العود النفيس عودِ الألُوَّة . ورشحهم المسك، ولكل واحدٍ منهم زوجتان يرى مخُّ ساقها من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف بينهم ، ولا تباغض، قلوبهم قلبُ رجل واحد ، يسبحون الله بكرة وعشياً. ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ إخواناً على سرر متقابلين وعن أبي سعيد الخدري _ رضي الله عنه _ أنَّ النبي قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة ينادي منادٍ إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإنَّ لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تيأسوا أبداً، وذلك قوله تعالى ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون رواه مسلم . وأما نعيمُ أهلها، وصفاءُ عيشهم وسلامتهم مما يكدر خواطرهم فقال تعالى لا يسمعون فيها لغوا، ولا تأثيماً، إلا قيلا سلاما سلاما وقال تعالى لايسمعون فيها لغواً ولا كذَّاباً تنـزهت مسامعهم عن سماع ما يزعجهم، فلا خصام، ولا سباب. فيامن ضاق ذرعاً بمشاكل بيته، وضجيج أولاده، يوشك أن تلقي عنك مؤونة هذا إن صبرت، وجعلت ما يعترض حادياً لك للراحة التامة، والحياة الطيبة. وقال تعالى ولهم فيها أزواج مطهرة فأزواج الجنة مطهرة مما يعتري أزواج الدنيا طهارة حسية، فلا حيض، ولا نفاسَ. وطهارة معنوية فلا يأتين ما يكرهه أزواجهن، حسنات الأخلاق، قاصرات الطرف (عربا أترابا) متوددات لأزواجهن، على صفة واحدة، وسن واحدة. وأما جمال ماهم فيه من المكان، وحسن منظره وجمال ترتيبه فاستمع لقوله تعالى فيها عين جارية، فيها سرر مرفوعة، وأكوابٌ موضوعة، ونمارق مصفوفة، وزرابي مبثوثة فزينت أماكنهم بالعيون الجارية، فأكسبت المكان حسن منظر، ولطافة جو، (لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً)، وفيها السرر وهي المجالس المرتفعةُ، وفيها الأكواب الموضوعة ،وهي أوان ممتلئة من أنواع الأشربة اللذيذة، قد وضعت بين أيديهم، وأعدت لهم ، وصارت تحت طلبهم واختيارهم يطوف بها عليهم الولدان المخلدون. وفيها النمارق المصفوفة وهي الوسائد قد صفت لهم، يجلسون عليها ويتكؤن . وبين هذا وذاك الزرابي وهي البسط الحسان، مبثوثة أي: مملوؤة بها مجالسهم من جانب. فهذه بعض أخبارُ الجنة، وبعض أخبار ما فيها، أخبار صدق ليست بالهزل، ولا بالأماني الباطلة. فاعرفوا قدرها، واعملوا لتكونوا من أهلها، وإن أهل الجنة هم رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها . وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري _ رضي الله عنه _ قال : عن رسول الله » إن أهل الجنة يتراؤن أهل الغرف فوقهم كما تتراؤن الكوكب الدريَّ الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم ، قالوا يارسول الله : تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم. قال: بلى، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله، وصدَّقوا المرسلين . فهم آمنوا بالله، بربوبيته، وإلاهيته، وأسمائه وصفاته. وصدقوا المرسلين بما جاؤا به، وعملوا بما طولبوا به فعلاً للمأمور وتركاً للمحظور. فابشروا يا عباد الله، وأملوا خيراً من ربكم ، خطب عتبة بن غزوان _ رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد:- فإن الدنيا قد آذنت بصُرْمٍ، وولت حَذَّاء، ولم يبق منها إلا صُبابة كصُبابة الإناء، يتصابها صاحبها، وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم، فإنه قد ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة، وليأتين عليها يوم وهو كظيظ الزحام. الله أكبر ما أعظم فضل الله، وما أوسع عطاءه ! اللهم إنا نسألك الجنة وما قرَّب إليها من قول وعمل . أقول قولي هذا واستغفر الله أما بعد :- فإنه من رحمة الله بعبده أن يوفقه فيرى في أمور الدنيا تذكرة للآخرة ، فإذا رأى انقطاع آجال الخلق والناس يساقون إلى ربهم في جنائز تترى تذكر خلود الآخرة وبقاء أهلها فريق في الجنة وفريق في السعير . وإذا رأى مساكن الدنيا وأنها ناقصة في سعتها مهما امتدت في عرضها وطولها تذكر سعة ملك الآخرة وأن أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر في ملكه مسيرة ألفي عام يرى أقصاه كما يرى أدناها . ثم هو يلحظ النقص في منازل الدنيا فهي ليست على أتم حال في بنايتها ، وأكمله، تجده دائما يقول أو يتمنى: لو وضع كذا مكان كذا لكان أحسن ولو غير هذا لكان أجمل وهو بعد لم يلفظ أنفاسه من نهاية عمارة بيته . ناهيك عمن تقدمت سكناه بيته فهو يرمم فيه ويرقع ؟ وأني لك أن تنتهي من ترقيع ما أصله الخرق والفتق . هذه منازلنا في الدنيا عباد الله !! فكيف لك بمنازل الآخرة ؟. (لهم غرف من فوقها غرف مبنية) (ويدخلكم جنات تجري من تحتها ومساكن طيبة في جنات ذلك الفوز العظيم) . (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً خالدين فيها لا يبغون عنها حولا) أي : قد رضوا منازلهم فلا يريدون تغييرها أو تحولا عنها. لعلك تذكر هذا وأنت تبحث عن بيت لتشتريه أو تستأجره . أو لعلك تذكره وأنت تتنقل وتتحول من مكان لآخر في سياحتك بعد أن مللت مكانك الأول فتبحث عن غيره . ومثل هذه التذكرة في المنازل تجدها في المآكل والمشارب (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها) والتذكرة متجددة في شربه ماء أو شربة لبن تأتيها على ظمأ ما ألذها . وألذ منها شربة من الحوض المورود الذي يستمدُّ ماءه من نهر الكوثر الذي أعطاه الله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم . أيها الإخوة نعيم أهل الجنة لا تغطيه كلمات منبر ، و الله تعالى يقول : (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون) . والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " فيها ما لا عين رأت وأذن سمعت ولا خطر على قلب بشر " اللهم إنا نسأل الجنة ....