إن الحمد لله ...
أما بعد :-
فإنَّ شهركم آذن بالرحيل، بعد أن كان مستقبلاً منتظراً يعدُّ الإنسان له
عدَّة ، ويرى أن بينه وبينه أمداً ومدة .
فما هي إلا أيام تقضَّت وليال تقلبت حتى حلَّ شهرُ الصيامِ ضيفاً كريماً
على من أنعم الله عليه بالإيمان فعرف قدر الصيام والقيام ، وهاهو يودعكم
في آخر جمعة لكم في هذا الشهر يودعكم بما أودعتموه من الأعمال
(يقلب الله الليل والنهار إنَّ في ذلك لعبرة لأولي الأبصار)
فهنيئاً لمن كان شاهداً له عند ربه بحسن الصيام، وتمام القيام، وويل لمن
كان شاهداً عليه بسوء صنيعه، شاكياً إلى ربه تفريطَه فيه وتضييعَه .
أيها الناس : لم يبق لكم من رمضان إلا قليله فما أسرع أيامه، قضيتموها
بطمأنينة وأمان، وتيسيرِ من الله وإحسان.
فاشكروا نعم الله بإحسان الختام ، واعلموا رحمكم الله أنه يشرع لكم
في ختام شهركم أمور: أمورٌ ثلاثة شرعها لكم ربكم زيادة في حسناتكم ورفعة
في درجاتكم .
فأوَّلها: زكاة الفطر، يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما " فرض رسول
الله صلَّى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعيرٍ
على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين " متفق عليه
.
فأدُّوها رحمكم الله من طعام الآدميين أدُّوها صاعاً بصاع النبي
صلَّى الله عليه وسلم والذي يزن كيلوين ونصفاً تقريباً، ولا تخرجوها من
غير الطعام ، فلا يجوز إخراج الثياب ولا الأمتعة ، بل ولا يجوز إخراج
قيمتها من النقود ، وإن كان أنفع للفقراء في بادئ الرأي لأنَّ ما حدَّده
الشارع وجب الوقوفُ عنده ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " من
عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ "
أما وقت إخراجها فالأفضل صباح يومِ العيد قبل خروج الناس إلى الصلاة لما
روى مسلم عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: أمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة "
ويجوز للإنسان أن يؤديها قبل العيد بيوم أو يومين ، وأما تأخيرها عن
الصلاة العيد فلا يجوز إلا من عذر لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال :
" فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطرة طهرة للصائم من اللغو
والرفث، وطعمة للمساكين، فمن أدَّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن
أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقةٌ من الصدقات " رواه أبو داود وابن ماجه
وصححه الحاكم .
وتدفع زكاة الفطر للمساكين، والفقراء في المكان الذي هو فيه وقت الإخراج
سواء كان محلَّ إقامته ، أو غيره من بلاد المسلمين ، ويجوز أن توزع
الفطرة الواحدة على أكثر من مسكين، كما يجوز أن تعطى الفطر المتعددة
مسكيناً واحداً .
ومن أعطي فطرة وهو من أهلها فقد ملكها له أن يأكلها أو يبيعها ، أو
يخرجها فطرة عن نفسه وولده .
ومن لم يعرف فقراء يعطيهم فإن إخوانكم في جمعية البر الخيرية والمستودع
الخيري يعينونكم في إيصالها إلى مستحقيها .
الأمر الثاني : مما يشرع في ختام هذا الشهر هو التكبير فيكبر المسلم من
غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد لقوله تعالى( ولتكملوا العدة
ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)
وهذه لعمر الله سنة مهجورة ، هجرها كثيرٌ من المسلمين فكبروا رحمكم
الله إعلاناً بتعظيم الله وإظهاراً لعبادته وشكراً لنعمته .
قولوا : الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر
، ولله الحمد .
الأمر الثالث : مما يشرع في ختام هذا الشهر صلاة العيد فقد أمر النبي
صلى الله عليه وسلم بها أمته ذكوراً وإناثاً ، وذهب جمع من المحققين
إلى وجوبها على الأعيان ويأثم من تخلف عنها من غير عذر .
ومما يؤسفُ له تساهل كثيرٍ من المسلمين في حضور صلاة العيد حيث يسهرون
ليلة العيد ثم ينامون عنها، وربما ضيعوا معها صلاة الفجر يوم العيد
فيكونون ممن ختم طاعته بمعصية نعوذ بالله من ذلك .
وليحذر المسلم أن تخرج نساؤه لصلاة العيد متبرجات أو متطيبات، تقول أم
عطية رضي الله عنها أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أن نخرج
في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات الخدور ، فأما الحيض فيعتزلن
المصلى ، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين " متفق عليه .
ومن السنة أن يأكل الإنسان قبل الخروج إلى المصلى في عيد الفطر تمرات
وتراً ، وأن يخرج ماشياً إن تيسر له ، متجملاً مبتهجاً مؤملاً الخير من
ربه ، والقبول لعمله .
وسوف تكون إقامة صلاة العيد في السادسة في مصليات العيد الأربعة، وفي
الجوامع المعلنة وليس منها هذا الجامع .
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه،
وسلَّم تسليماً كثيراً .
أما بعد :-
فإنَّ ما بقي لكم من شهركم هو من أنفس أيامه ولحظاته والأعمال بالخواتيم .
وجمعتكم هذه هي الموفية لخمس جمع أكرمنا الله بها في هذا الشهر وقد أخبر
النبي صلى الله عليه وسلم أن في الجمعة ساعةً لا يوافقها عبدٌ مسلم وهو
قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه " متفق عليه .
وقد اختلف الناس في هذه الساعة
وأرجح هذه الأقوال : قولان : الأول : أنها من جلوس الإمام للخطبة إلى
انقضاء الصلاة لما روى مسلم أنها " ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى
الصلاة "
فيدعو الإنسان بين الخطبتين ويؤمن على دعاء الخطيب إن دعا في أثناء
الخطبة، ثم يجتهد في الدعاء أثناء صلاته في سجوده وقبل سلامه .
والقول الثاني: أنها بعد العصر.
قال ابن القيم: وهذا أرجح القولين، وهو قول عبد الله بن سلام وأبي هريرة
والإمام أحمد وخلق وحجة هذا القول ما رواه أحمد في مسنده من حديث أبي
سعيد وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : " إن في الجمعة
ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه إياه وهي بعد
العصر "
فاجتهدوا في هذين الوقتين بدعاء الله تعالى ادعوا لأنفسهم ولعامة المسلمين .
وبعد أيها الإخوة معاشر الصائمين مما يتعين التواصي به ما يتعلق بشر
البقاع ، وإنَّ شرَّ البقاع وأبغضها إلى الله أسواقها فاحفظوا أبناءكم عن
تسكعٍ في الأسواق، وتردد على درَّاجاتهم، وربَّما حصل بهذا أذيةٌ منهم ،
أو ضررٌ يقعُ عليهم .
وهكذا الحال بالنسبة للنساء من البنات والأخوات والزوجات، بل حالهنَّ أشد
والتفريط فيهن أقبح وأضر .
فلا تتساهل في خروج موليتك الساعات الطويلة بحجة حوائج العيد، وأنتم ترون
كيف ازدحمت الأسواق، وضاقت المحلات .
والمرأة إذا خرجت استشرفها الشيطان .
وذئاب البشر وضعاف الإيمان قد يجدون مطمعاً في بنتك، أو أختك، أو زوجتك
إن انفردت عن المحرم، أو ظهر منها تساهل في حجابٍ، أو استرسال في كلامٍ
أو تردد من محلٍّ إلى محلٍّ ، والله المستعان .
وأنتم يا رجال الهيئة ، يا حراس الفضيلة استعينوا بالله على واجبكم
واحتسبوا هذه الليالي الفضيلة في دفع الشر، والأخذ على يد مرضى القلوب .
وقد يكون أجركم يفوق المصلين في مساجدهم والقارئين من مصاحفهم والمعتكفين
في خلواتهم .
فأنتم تقومون بواجب الكفاية، وغيركم يقومون بنوافل عبادة .
على أن إنكار المنكر في الأسواق واجب على كلِّ مسلم فكل مسلم رجل هيئة
فالمشتري في السوق، والبائع في محله ، والمار في طريقه عليهم قسط من
إنكار المنكر، وحماية الفضيلة .
وأنت يا من يتبع النظرة النظرة .
هل نسيت أن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور هل نسيت وأنت تقلب
عينك باختيارك أنه سيأتي يوم تتقلب عينك بغير اختيارك .
وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد .
ألا فاتق الله في نفسك ، واستح من خالقك فالناس في مساجدهم ركعاً سجداً
وأنت فيما أنت فيه .
اتق الله وما لا ترضاه لأهلك لا ترضه لنساء المسلمين .
جعلنا الله من المتعاونين على البر والتقوى
فهل تستطيع أن تجعل في اللحظات القليلة الباقية رجوعاً وتوبة نصوحاً تكسب
فيها رضا الله ، وتلتحق بالصالحين ، وأنت أدرى بذنبك من غيرك .
(يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربكم أن يكفر عنكم
سيئاتكم ويدخل جنات تجري من تحتها الأنهار)
(وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) .
رزقني الله وإياكم توبة