• ×

د.عبدالرحمن الدهش

تفسير سورة القدر

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  10.5K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الشريط الثالث
97 ســــــورة القــــــــدر

قال الله تبارك وتعالى ( إنا أنزلناه في ليلة القدر )
هذه السورة.. كما عنونت بسورة القدر, ربما سميت بسورة ليلة القدر.. والاسمان متقاربان..

أما هي.. من حيث المكية والمدنية:-
فإن هذه السورة مكية..
وذكر بعضهم أنها.. مدنية.. ولعلّ من قال إنها مدنية.. نظر أنها مرتبطة بشهر رمضان, ورمضان إنما فُرِض في المدينة.. فلعلّ هذا هو منشأ هذا القول..
إذن هما.. قولان: مكية أو مدنية..
والمثبت في المصاحف عندنا: مكية..


ابتدأ الله تعالى هذه السورة..

الآية الأولى :

فقال:
(إنا أنزلناه في ليلة القدر) (1)
والضمير ( نا ) على ما مرّ عليك.. للمُعَظم نفسه.. لأن المتكلم هو الله عز وجل واحد لا شريك له..
و( نا ) :
- تكون أحياناً للمعظم نفسه كما هنا.. كما في نظائرها كثيرة
- وتكون أحياناً للمتكلم ومعه غيره بما تسمى بــ( نا ) الفاعلين..
هنا.. للمعظم نفسه..
قال تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر)
فأثبت انزاله في ليلة القدر
ولكن ما هذا؟ ما الذي أنزله؟
القرآن الكريم..
وهنا لم يسبق له ذكر, ولكنه معروف..
فعلى هذا نقول:-
إن عود الضمير على ما لم يسبق له ذكرٌ.. اكتفاءً بما في الذهن.. أن هذا جائز.. ولا يُعَدُّ عيباً في الكلام..
هذا جائز, وهو أسلوبٌ قرآني لا اشكال فيه وهذا له نظائر..
قال الله تعالى في سورة ص: (حتى توارت بالحجاب)
ما هي التي توارت؟ الشمس.. وليس لها سبق ذكر
لكن الذهن أدرك هذا
والسياق أيضاً يؤيده..
فالمقصود: أن عود الضمير على ما لم يسبق له ذكرٌ بدلالة خارجية.. هذا جائز..
قال الله تعالى (إنا أنزلناه في ليلة القدر) يعني أنزلنا القرآن في ليلة القدر..
وليلة القدر هذه.. وصفها الله تعالى في سورة أخرى بأنها: ليلة مباركة.. (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) فهي:
ليلة القدر.. وليلة أيضاً مباركة..
هذه الليلة أين تقع؟ في أي شهر من السنة؟
الذي دلّ عليه القرآن أنها في شهر رمضان..
والدلالة على هذا:-
أن الله تعالى.. قال في سورة البقرة..
(شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن)
وقال هنا:- (إنا أنزلناه في ليلة القدر)
فإذا جمعت الآيتين.. يتحصل لك.. أن ليلة القدر.. متى تكون؟! تكون في رمضان..
وهذا عليه جُلّ أو قل كُلّ المفسرين..
نعم.. وقع خلاف.. وهناك أقوال لبعض السلف.. أقوال إن شئت أن تصفها بأنها اندثرت.. كمن يقول مثلاً: أن ليلة القدر في النصف من شعبان.. أو بعضهم يقول: في أول ليلة من السنّة أو نحو ذلك..
كل هذه أقوال أصبحت مندثرة, أصبحت مهجورة..
ولم يثبت في ذلك شيء يُرْكَنُ إليه..
نعم.. ليلة النصف من شعبان تكلم بعض السلف على فضلها وذكروا في ذلك أحاديث.. لكن مع ذلك.. لا ترقى إلى أن تكون هي ليلة القدر..
والصواب أيضاً: أن ليلة النصف من شعبان لا فضيلة لها.. وأن ليلة النصف من شعبان كليلة النصف من رجب كليلة النصف من ربيع.. وغير ذلك.. وما ورد في ذلك كله لا يثبت..
وما عُرِف من هدي النبي عليه الصلاة والسلام أنه خَصّ النصف من شعبان بمزيد عبادة ونحو ذلك..
ومن عجائب الأقوال في ليلة القدر..
مع ما ذكرت لك بوضوح من دلائل القرآن.. إلا أن الخلاف فيها كثير.. الخلاف في تعيينها في رمضان وكل ليلة من رمضان قد قيل أنها هي ليلة القدر..
فقيل أن ليلة القدر هي أول ليلة, وقيل: ثاني ليلة, ثم: ثالث ليلة إلى أن تكمل ثلاثين ليلة كم من قولٍ هذا؟.
ثلاثون قولاً..
أضف إليها عشرة أقوال أخرى خارج رمضان..
ذكرنا منها.. ليلة النصف من شعبان إذن إحدى وثلاثون ثم تسعة جمعها من أقوال مختلفة:-
-هل هي أول ليلة في السنة؟
-هل هي ربيع؟
-هل هي في كذا وكذا.. إلى أن تبلغ أربعين قولاً..
قال ابن حجر: أمليتها في فتح الباري..
أملى هذه الأقوال الأربعين في فتح الباري..
ومرادي بذلك.. أن تعرف أن الأقوال تتشعب وتتكثر.. ولكن الصواب مجانب لها كلها أو مجانب لأكثرها.. وهذا مثاله فيما ذكرنا.. واضح..
إذن.. ننتهي الآن أن ليلة القدر في رمضان..
أما تعيينها: فالمرجح.. أنها لا تُعَين.. لأن الله تعالى رفع تعيينها.. حتى تجتهد الأمة بالطاعة والعبادة..
وأن ما ذكر عن السلف.. أنها في ليلة السابع والعشرين أو في غيره أنهم يحكون.. ليلة القدر في السنة التي ذكروها..
فقد ورد عن بعض الصحابة أنه كان يُقسم أن ليلة القدر هي ليلة السابع والعشرين.. فمثل هذا يُحمل على ما ذكرت أنها ليلة القدر في تلك السنة, أما في سنوات أخرى فإنها تتغير.. وتتنقل.. لكنها:
تكون في العشر الأواخر.. وفي أوتاره أرجى من غيره..
وفي السنة التي سجد النبي - صلى الله عليه وسلم - في تلك الليلة لما سجد في صبيحتها في ماء وطين على إثر رؤيا رآها كانت تلك الليلة.. هي الواحد والعشرين.. فكانت ليلة القدر في سنة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في الواحد والعشرين..
إذن أؤكد على هذه المسألة وهي أن ليلة القدر تتنقل.. لكن تنقلها في العشر في أوتاره آكد من غيره..
ثم أيضاً.. لا ينبغي الانشغال بتعيينها كثيراً.. لكن من فُتح له فيها شيء أو رأى رؤيا أو ما أشبه ذلك.. من غير تكلف.. فلا حرج..
لكن.. الذي يُفكر أن بعض الناس يشتغل بتعيين ليلة القدر.. والبحث عنها, يشتغل بذلك اشتغالاً على حساب العبادة.. يُمضي تلك الليلة في التحري ومن رآها وما أخبارها, ثم ينظر في العلامات التي وردت.. ثم إذا توصل إلى شيء انشغل بأخبار الناس وارسال الرسائل في الجوالات.. ثم يذهب ليله في مثل هذا العمل, ويفوته مَا شُرِعَ العمل فيه.. تفوته الصلاة وتفوته القراءة وأشياء من هذا..
وأيضاً.. هذا التعيين له.. آثار عكسية.. فإن الناس إذا اخبروا أن ليلة القدر مثلاً في واحد وعشرين أو الثالث والعشرين تجدهم يكسلون في الخامس والعشرين والسابع والعشرين كسلاً بيّناً..
فأقول:
دعوا الناس على ما هم عليه في اجتهادهم..
ومن رأى شيئاً فليجتهد في نفسه ولا ينشغل انشغالاً كثيراً.. بنحو ما ذكرت..
إذن.. هذا ما يتعلق بليلة القدر.. من حيث تعيينها..
قال الله تعالى:
(إنا أنزلناه في ليلة القدر "1")

الآية الثانية :

(وما أدراك ما ليلة القدر "2")
هذا استفهام المراد به.. التضخيم.. والتعظيم
يعني.. ما أدراك عن هذه الليلة العظيمة المفخمة عند الله عز وجل -..
وقوله تعالى (ليلة القدر) وصف هذه الليلة بأنها ليلة القدر.. فأي قَدَر هذا..
هل هو من القَدْر (الذي هو العظمة والشأن)؟
- كما تقول فلان له عندي قَدْر أي منزلة ومكانة..
نقول: نعم, القَدْر من المنزلة والمكانة.. هذا أحد المعاني..
- وكذلك القدر هنا من التقدير: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) أي في ليلة التقدير.. فالله تعالى يُقدِر في هذه الليلة ما يكون في تلك السنة..
وبالجملة.. تقدير الله عز وجل له مراحل كثيرة.. فالله تعالى قَدَّر كل شيء قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة.. هذا تقدير أولي.. ثم هناك تقدير سنوي.. ثم هناك تقدير عمري.. وتقدير يومي.. كل هذه لا تنافي الأصل.. وهذا يدل على حكمة الله سبحانه وتعالى.. واتقانه لشؤون خلقه.. حيث كان التقدير بالصفة التي ذكرت..
أعود فأقول: إن القدر:-
- إما أن تكون من القَدْر الذي هو المنزلة..
الثاني أنه من التقدير لأمور العباد..
قال الله تعالى: (إنا أنزلناه) أي أنزلنا القرآن وظاهر اللفظ أن الله تعالى أنزل القرآن في ليلة القدر أنزله كله..
وإلى هذا ذهب حبر الأمة ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وكذلك بعض تلاميذه:
أن الله تعالى أنزل القرآن كله في ليلة القدر..
س / أين هو؟
قالوا: أنزله إلى السماء الدنيا.. فيما يسمى بالبيت المعمور..
أنزله إلى ذلك المكان, انزالاً غيبياً, لا نعلم به,
ثم صار ينزل على النبي عليه الصلاة والسلام بالمناسبات, وبالأحوال..
- إذا حصل كذا.. نزل كذا..
- أو أن الله تعالى.. ينزل كذا بغير مناسبة على ما هو معلوم - ..
* فهذا إنزال لكل القرآن إلى السماء الدنيا.. فيما يسمى بالبيت المعمور..
هذا.. قول..
وهذا القولُ لا يخفاك أنه متوافق مع ظاهر الآية
(إنا أنزلناه) أي القرآن..
لكن:

القول الثاني:-
والذي هو أرجح والله أعلم من هذا..
ما عليه غير ابن عباس من جماهير العلماء, والسلف..
أن قوله.. (إنا أنزلناه) يعني:-
أنزلنا, ما أنزلنا من القرآن.. والمعنى..
إنا.. ابتدأنا إنزاله..
فالإنزال هنا.. محمول على الابتداء..
والقرآن.. لم ينزل كله في رمضان, بل نزل شيء منه في رمضان, وشيء في غيره..
لكن.. الإنزال الذي في الآية.. هو باعتبار البداية..
(إنا أنزلناه) يعني ابتدأناه..
وهذا كما قُلت لك.. هو قول الجماهير..
وهذا.. القول الثاني.. ما عُمْدَتُه؟
عُمْدَته.. الواقع.. الذي عرفناه من القرآن الواقع الظاهر.. وأما الواقع الغيبي.. فالله أعلم به..
لكن الواقع الظاهر أنه كذلك..
فمثلاً:-
المجادِلَة.. لما جاءت, وشكت زوجها..
ما الذي حصل؟..
أنزل الله تعالى فيها قرآنا..
(قد سَمِع الله قول التي تجادلك)
كذلك مثلاً الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء.. أنزل الله تعالى في شأنهم ما أنزل..
(لقد سَمِع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء)
وأشياء من هذا..
الصحابة يسألون مثلاً عن أشياء.. فينزل جوابها..
(يسألونك عن الأنفال)
(يسألونك عن اليتامى)
أشياء كثيرة..
فقالوا: الواقع الظاهر يؤيد هذا
ما هو هذا؟:
أن القرآن ابتدأ نزوله في رمضان, ثم صار ينزل منجماً طوال العام بل طِوال سنوات فترة الوحي
إذن.. هذان قولان.. ولكلٍ من قال به..
إلا أن.. الثاني: أن (أنزلنا) : ابتدأنا أقرب والله أعلم
قال الله تبارك وتعالى: (وما أدراك ما ليلة القدر "2")

الآية الثالثة:

ثم قال:
(ليلة القدر خير من ألف شهر "3")
هذا في بيان.. عظيم هذه الليلة..
أنها.. (خير)
وخيرٌ أصلها أخير.. لكنهم تواتروا على ترك الهمزة.. فصاروا يقولون: خير..
كما أن شرّ أصلها أشر, لكنها أيضاً تواتروا على تركها..
ويندر أن يُقال أشرّ أو أخير, بل هو خيرٌ, وهو شر, هكذا استعمالهم الكثير
(ليلة القدر خير من ألف شهر)
إذن.. هي أفضل من هذه المُدّةَ.. (من ألف شهر)
وألف شهر إذا قَسَمتها على اثنا عشر.. ستساوي بالسنوات ثلاث وثمانين وزيادة يسيرة..
ثلاث وثمانين سنة.. هذا عُمْر طويل..
النبي عليه الصلاة والسلام يقول: "أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين".. إذن هذا يزيد على عمر الواحد من أمة محمد عليه الصلاة والسلام في الغالب..
إذن.. هذه الليلة, ليلة عظيمة, حيث إنها خيرٌ من هذه المُدة..
لكن..
ما معنى أنها خير من ألف شهر؟.
المعنى: أن العبادة في تلك الليلة.. خير من عبادة في هذه المُدة ليس فيها ليلة القدر..
فإذا مثلاً الإنسان صلى.. أو تصدق
فعبادته في تلك الليلة.. خير من عبادته في السنوات المذكورة باستثناء ليلة القدر منها..
إذن.. لا يخفاك أنها ليلة عظيمة, والمفرِط فيها قد فرّط في خير عظيم..
وهي في الحقيقة.. من فُرَص الحياة..
- فإذا قَدّرنا أن إنساناً بقي في الدنيا ستين سنة يعني منذ أن بلغ ستين سنة..
ستين.. كم فيها من ليلة القدر؟ ستين ليلة
ستين ليلة x 1000 شهر = ........
على كل حال:-
هي فترة كما قلت مَنْ فُرَص الحياة.. ومن فاته ليلة القدر.. فقد فاته خير كثير..
قال الله تبارك وتعالى:
ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر
ثم ذكر شيئاً يحصلُ في هذه الليلة..

الآية الرابعة :

قال:
(تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم)
(تَنَزّل) هذه الصيغة.. تدلّ على التكرار.. بخلاف نَزَل فإنها تدل على الانقطاع..
لكن: تنزّل تدل على التكرار..
والمعنى:
أن الملائكة والروح تتنزل.. أي:- يكثُرُ نزولها..
قال الله تعالى:
(تنزّل الملائكة)
والملائكة معروفون, ذلك العالم الغيبي الذي وَكَلَ الله تعالى إليهم أصنافاً متنوعة من الأعمال وهم:-
خَلْقٌ لا يعصون الله ما أمرهم, ويفعلون ما يُؤمرون..
هؤلاء.. هم الملائكة.. يتنزلون في ليلة القدر
ثم قال: (والروح)
والمراد بالروح على المشهور أنه.. جبريل عليه السلام..
فالملائكة تتنزل والروح..
والدليل على أن الروح هو جبريل عليه السلام
عدة أمور.. منها:-
قوله تعالى في القرآن:
{ نزل به الروح الأمين } ..
وبالإتفاق الذي لا اشكال فيه, أن الذي نزل بالقرآن هو "جبريل" عليه السلام
# وإذا كان الروح هو جبريل,..
أليس جبريل من الملائكة؟
الجواب / نعم.. بلى هو منهم..
إذن:-
كيف قال الله تعالى: (والروح) مع أنه.. منهم ؟
فالجواب: أن هذا من باب عطف الخاص على العام..
الخاص > الروح
والملائكة > عام
س / لماذا عُطِفَ عَطفُ خاص على عام؟
نقول:- من باب التكريم والتشريف..
قال الله تعالى:-
( تنزل الملائكة والروح فيها )
الضمير يعود على ليلة القدر..
قال: ( فيها )
(بإذن ربهم من كل أمر)
إذن.. هم يتنزلون بإذن ربهم, ليس تَنَزُّلاً من عند أنفسهم..
وكونهم.. يتنزلون بأمر الله.. هذا يَدُلُك على عِظَمِ هذا التنزل.. لأنه تَنَزُّلٌ مأمور به
إذن: نفسر قوله.. { بإذن ربهم }
ما معناها؟ بأمر ربهم..
فالإذن هنا.. بمعنى الأمر..
إذنً..
تتنزل الملائكة والروح.. بإذن ربهم.
قال الله تعالى:
(من كل أمر)
يعني أنهم يتنزلون من كل أمر..
فأمور الله تعالى.. التي يقضيها في شؤون عباده كثيرة.. فهؤلاء يتنزلون فيها من كل أمر..
-مثلاً يتنزلون بالأرزاق, وأن الله تعالى يقضي بأرزاق فلان من الناس..
يتنزلون بسعادة فلان, بطول عُمُره, بكثرة أولاده, ببركة في نفسه أو في غيره.. كل هذا يحصل بتنزل الملائكة بأمر الله عز وجل

الآية الخامسة :

ثم قال الله تعالى.. بعدها..
(سلام هي)
(سلام) مأخوذة من السلامة ، والسلامة معروفة..
ووصف الله تعالى.. هذه الليلة بأنها سلام..
سلام..
من حيث الإعراب: نعربها:- خبر.. لقوله هي.. أي.. خبر مقدم..
بمعنى: هي سلامٌ..
فأثنى الله تعالى.. على هذه الليلة.. بأنها سلام وذلك:- لكثرة السلامة فيها..
وأعظم سلامة في ليلة القدر هي:
السلامة من الآثام وعقوباتها..
وهذا مصداقه..
"من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه"..
فهذه سلامة.. أن الإنسان تُغفر له ذنوبه المتقدمة..
إذن.. هذه أوصافها..
أن الله تعالى.. جعلها سلام
ثم قال:
(سلام هي)
(حتى مطلع الفجر)
إذن.. هذه الليلة مُمتدة إلى طلوع الفجر, مستمرة
والفجر هنا.. أيُّ الفجرين الأول أم الثاني؟ الفجر الصادق أم الكاذب ؟
الجواب / الفجر الصادق..
إذن هي ممتدة إلى طلوع الفجر الصادق.. الذي به يدخل وقت الفجر.
وبه يمسك الصائم عن الأكل..
إذن.. هذه الليلة ممتدة إلى هذا الوقت..
تلحظ الآن..
أن الله سبحانه وتعالى شَرّف هذه الليلة بعّدة أشياء:-
أولاً: شرّفها الله, فوصفها بأنها ليلة القدر..
على المعنيين.. في معنى القدر
أيضاً: مما شرّف الله تعالى به هذه الليلة, أنه فخمها وعظمها..
بالاستفهام.. في قوله وما أدراك
إذن:-
ثانياً: أن الله شرّفها وعظمها بالاستفهام الذي يُراد به التفخيم والتعظيم..
الأمر الثالث:- أن الله تعالى جعلها خيراً من ألف شهر
الأمر الرابع: ما جعله فيها من تَنَزُل الملائكة..
الأمر الخامس: أن الله تعالى وصفها بأنها سلام.. على المعنى المذكور في تفسيره..
هذه أمور خمسة كلها تدل على فضيلة هذه الليلة.
نعود الآن.. لنسجل أهم الفوائد من السورة كلها..



فوائد هذه السورة

قال الله تعالى ( إنا أنزلناه في ليلة القدر )
وقلنا: إن إنزلناه يعني أنزل القرآن..
وقلنا: أن أنزل على القول الراجح ابتدأ نزوله
فعلى هذا المعنى: نستفيد:-
1- أن بعض القرآن.. يأخذ حكم القرآن..
وإن شئنا أن نضيف عليها.. نقول:
أن بعض القرآن يأخذ حكم القرآن من حيث الأحكام..
من أين الفائدة؟ كيف ذلك:
أن الله تعالى قال: (إنا أنزلناه) والمُنزل بعض القرآن..
بعضه الكثير أم القليل:
بعضه القليل, بل هو أقل القليل
لكن.. مع ذلك.. قال الله تعالى (أنزلناه)
فجعل الضمير يعود على القرآن..
نستفيد: أن بعض القرآن يأخذ حكم القرآن..
- قبل أن نغادر هذه الفائدة..
لما قلنا بعض القرآن يأخذ حكم القرآن..
هل لها أثر عملي؟
نقول / نعم..
مثلاً.. لا يَمَس القرآن إلا طاهر..
هل كل القرآن, أم بعضه يكفي؟
بعضه..
بمعنى:-
أن ما يُسمى الآن.. بالأجزاء المفردة أو حتى بالسور المفردة.. مطبوعة مستقلة.. هذه تأخذ حكم القرآن..
فلو مثلاً مسكت جزء عمّ مثلاً
أو سورة مفردة.. فنقول:
(لا يمس القرآن إلا طاهر)
فإن قال:
هذا بعض القرآن ليس الكل..
فنقول:
إن بعض القرآن يأخذ حكم القرآن..
أيضاً.

2- يستفاد من السورة الكريمة:-
اثبات التفاضل بين الأزمنة
أين الزمان هنا؟
ليلة القدر, فجعلها الله تعالى فاضلة
على ألف شهر.. فنقول:-
اثبات التفاضل بين الأزمنة..
- وإذا ثبت التفاضل بين الأزمنة..
ماذا يلزم من هذا؟ ماذا يستدعي هذا:
يستدعي هذا.. اثبات التفاضل في العمل..
في تلك الأزمنة المُفَضلة..
ويستدعي أيضاً.. أمراً ثالثاً..
اثبات التفاضل بين العاملين..
بمعنى:
أن العاملين يتفاضلون بحسب أخذهم بهذا التفاضل
-إذن المسألة الآن متدرجة:-
قلنا في أول الكلام:-
اثبات التفاضل بين الأزمنة..
ويستدعي هذا:
اثبات التفاضل بين الأعمال..
وهذا يستدعي.
اثبات التفاضل بين العاملين..
إذا وصلنا لهذه الناحية,
هل نأخذ من هذا.. أن الإيمان يتفاضل؟.
نعم.. إذن نختم هذه السلسلة.. ونقول:-
ويلزم من هذا كله..
اثبات التفاضل في الإيمان..
أيضاً:-

3- يستفاد من هذه السورة الكريمة.. من قوله:
(تنزل الملائكة والروح)
يستفاد من هذا:-
اثبات التنزل والانتقال في الملائكة..
وهذه.. صفة من صفاتهم.

4- ويستفاد من قوله (والروح)
فضيلة جبريل عليه السلام حيثُ خُصَّ بالذكر..


5- أيضاً من قوله تعالى (بإذن ربهم من كل أمر)
نقول:
فضيلة هذا التنزُل.. وعِظَمه.. من ناحيتين:
- أنه كان بإذن الله
- وأيضاً أنه كان من كل أمر
أيضاً:-

6- من فوائد السورة:
اثبات السلامة في تلك الليلة..

7- الفائدة الأخيرة:-
نأخذها من قوله (حتى مطلع الفجر)
وهي امتداد فضيلة هذه الليلة إلى طلوع الفجر
# وهذه المسألة:
يغفل عنها بعض المجتهدين أيضاً
فتجد بعض الناس:
يشتغل إلى قُرْب الفجر, لا سيما إذا كان ممن يُصلي التهجد.. فربما.. انتهى اجتهاده بانتهاء التهجد..
وربما يبقى أحياناً ساعتان وربما أقل من هذا لكن:
لا يستغل الباقي
لكن:
إذا نُبّه أن ليلة القدر إلى مطلع الفجر فاستغل هذا إلى طلوع الفجر..
والبداية.. من متى؟
من غروب الشمس.. وهذا أيضاً.. مَحَلُّ تساهل من الناس..
فتجد بعضهم لا يجتهد إلا من بعد صلاة العشاء فيُقال: لا, اجتهد من غروب الشمس إلى طلوع الفجر..
لكن.. بماذا تجتهد؟.
بالصلاة فقط - ؟!.
نقول: لا, الصلاة نوع مما يُجَتهَدُ به..
فقراءة القرآن, مما يُجتهَد به..
تناول الفطور أيضاً فنحن قلنا.. من غروب الشمس..
هو من الاجتهاد.. لأن الفطور عبادة.. وفيه ما فيه من الذكر والدعاء وغيره..
كذلك.. التهيوء للصلاة بوضوء ونحوه.. أيضاً من الاجتهاد..
فالمقصود..
أن كل عبادة أو كل وسيلة لعبادة..
داخلة في هذا الاجتهاد..
يفوت كثيراً من الناس شيءٌ من هذا بسبب جهلهم..


التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 03:15 مساءً الخميس 19 مايو 1446.