فبعيداً عن تلاعب السياسة، وأقاويل الإعلاميين، وأراجيف المواقع والصحافة .
لنأخذ موضوع جمعتنا من منبعه الأصلي، ومعينه الصافي
أيها الإخوة لئن نجح المستعمر، وخدامه من حكام العرب في تفريق المسلمين جغرافياً ووضع الأسلاك الشائكة بين بلدين إسلاميين، وزرعوا الحدود ألغاماً فلا نقلة ولا تنقل إلا لمن رضوا عنه واطمأنوا إليه .
لئن نجحوا في ذلك وأصبحت واقعاً مفروضاً فإنه لا يجوز ينجحوا في وضع العراقيل القلبية، والحواجز النفسية بين أمة واحدة وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأبلغ وصف وأعمق تشبيه حين قال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه) متفق عليهما .
وحينما تقتتل طائفتان من المسلمين وتحمل كل طائفة سلاحها، ويحصل هناك قتل وجراح أمر الله بالإصلاح بينهما (فأصلحوا بينهما) ونقاتل الباغية، ونقف مع المبغي عليها إن لزم الأمر حتى تفيء الباغية إلى أمر الله ثم بعد ذلك تعقيب الله على هذا الحدث بين الطائفتين من المسلمين بقوله (إنما المؤمنون إخوة) .
الله أكبر: أي عظمة لهذه الأخوة التي لم تلغها السيوف المصلتة, ولم تمحها الحروب الدائرة .
إنها عظمة الأخوة الإيمانية رابطة لم تقم على المصالح الوقتية، ولا على الأكاذيب وخداع الجماهير .
أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وهو المؤيد بالوحي أدرك أهميتها فسعى في تثبيتها، وضرب أوتادها في نفوس أصحابه!
كيف وقد رأى أن القبلية العربية أو غيرها لم تحقق رابطة للناس، ولا طمأنينة بعضهم لبعض وقد عاين عليه الصلاة والسلام عن قرب حال القبائل .
يقتل ابن العم ابن عمه حينما يختلفون على مراعي للإبل، وتطول الثارات لأجل نصف بيت من الشعر، وينتزع الملك من أبيه ولو شهر السيف في وجهه وأراق دمه، وأزهق روحه .
فالقبيلة إذا خلت من روح الإيمان فهي فخر وخيلاء، وظلم وعداء وصف الله حال القبائل قبل نور الإيمان بقوله "إذ كنتم أعداء" فالقلوب إذن كانت متفرقة حتى أصبحوا بنعمة الله إخواناً .
معاشر الإخوة: فكما أن القبلية لم تجمع فالأرض والوطن والجنسية والبطاقات الشخصية الرسمية لا تجمع قلوباً وإن جمعت أبداناً، وحققت كثافة سكانية .
كان من شغل النبي صلى الله عليه وسلم الشاغل أول بعثته جمع القلوب فصار يؤاخى بين أصحابه ويأخذ على ذلك البيعة ففي مكة آخى بين أصحابه الأولين الذين سموا فيما بعد المهاجرين، فصار المتآخيان يداً واحدة، وقلباً في جسدين .
ثم لما صار إلى المدينة، وتحول إلى دار الهجرة، واستقبله الأنصار الأبطال الرجال الذين تبوء الدار والإيمان من قبل عقد مؤاخاة أخرى بين المهاجرين من أصحابه، والأنصار من أحبابه فضربوا أمثلة منقطعة النظير في حسن الضيافة والإيثار، فلله درهم (يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) .
إذن لا جامع للناس إلا دين رب الناس، لا جامع لهم إلا دين صحيح وعقيدة راسخة وحينما يجتمع الناس بلا عقيدة ويفقدون رابطة الإيمان الصحيح يقول الله عنهم (وتحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى) .
أيها الأكارم: هذه مظلة الإخوة الإيمانية دوحة باسقة أكلها دائم وظلها.
فأين المستظلون بها ؟
فإن أردتها فلها معالم فلا تخطها و لاتتخطها .
من معالمها (لاتحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا، ولاتدابروا، ولايبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه ولا يحقره ، بحسب إمرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه"
ومن معالمها (انصر أخاك ظالماً أو مظلوما)
من معالمها لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث بل هو يسعى إلى أعظم من ذلك (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم"
(ومن أحب في الله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان) حديث حسن رواه الترمذي وغيره .
وحتى يكون الحب متبادلاً والشعور من الطرفين مورقاً أمر عليه السلام: الذي أخبر أنه أحب فلاناً أن يلحق به ليخبره بذلك.
(هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم) .
من معالم أخوة الإيمان النصيحة فالدين النصيحة فإن كرهت منه شيئاً فلا تجعل عرضة فاكهة في مجلسك والصادق هو الناصح وليس الذي يلوذ بعيوب إخوانه غيبة أو نميمة .
جلس رجل فى مجلس عبد الله بن المبارك الإمام المجاهد فاغتاب أحد المسلمين فقاله عبد الله بن المبارك: يا أخى هل غزوت الروم؟ قال: لا، فقال: هل غزوت فارس؟ قال: لا ، فقال عبد الله بن المبارك : سلم منك الروم وسلم منك فارس، ولم يسلم منك أخوك المسلم .
فاحفظوا حقوق إخوانكم في غيبتهم كما تحفظونها في حضرتهم .
من أعظم معالم إخوة الإيمان أنها لا تنتهي بموت أهل الإيمان وانقضاء آجالهم (والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفرلنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك غفورا رحيما)
ومن دعا لأخيه حيا أو ميتاً قال له الملك: ولك بمثل ...
أما بعد:-
فتلكم الشجرة العظيمة شجرة إخوة المؤمنين من دخلها بصدق فلا يزال أخاً لنا وإن أتى ما أتى من الذنوب والمعاصي ولا يجوز أن نعين عليه الشيطان فنصحه واجب، والدعاء له متعين حتى يلقى حالا غير حاله .
ولعظم وصف الإخوة أثبته الله لأهل الجنة بعد انقطاع العمل ومعاينة الثوابت (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين) .
فأخوة الإيمان أصلها ثابت وفرعها في السماء .
فلا يجوز أن تكون الأخوة بين الشعوب مسرحاً يلعب به الساسة المتنفذون، ولا القادة الذين لأهوائهم منقادون، والأحداث التي تتناقلها وسائل الإعلام والتهويشات يصح منها ما يصح ويزيف منها ما يزيف هي أحقر من أن تعكر صفو إخوة الشعوب المسلمة، أو تفت في عضد وحدتهم .
والمهاترات الكلامية عقب موقف أو قضية لنترفع عنها ولنتق الله في أنفسنا وألا نكون أذنا صاغية وأفواهاً وأقلاما ناقلة فتطربنا عبارات السب والتعليقات التي ينفخ فيها المفسدون ويتولى كبرها المحللون والإعلاميون الناقمون الحاسدون وكذا الرسوم ومقاطع الفديو فكل هذه وقودها نحن لا غيرنا إن جرينا خلفنا وركضنا في نشرها .
ونشرها لا يجوز عقلاً وأهم من ذلك شرعا لاسيما وكثير من الأوضاع والإرجافات قد تبين أنه اندس فيها قوم آخرون من الرافضة المتصيدين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون .
فرفقاً إخوتنا في أنفسنا ولا يأكل بعضنا بعضاً، واحذر أن تكون أداة هدم في وحدة أمتك ، فتضحك العدو وتسوء الصديق ...