إن الحمد لله نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا أما بعد :- فإنَّ مسألة يلهج بها العبدُ كل يوم مرات عديدة ، مسألة يسألها ربه لعظم حاجتها ، وشدة افتقاره لها ، فليست مسألة كمالية إن حصلها فذاك ، وإن فاتت فلا يضر ، بل إن تحصيلها هو التوفيق في الدنيا والآخرة ، والتسديد في العاجل والآجل ، من فاتته فهو الخسران المبين . (من يهدي الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون) . إنها نعمة الله على العبد بالهداية امتن الله بها على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم . فقال : (ووجدك ضالا فهدى) أي : غير عالم بما علَّمك من الكتاب والحكمة ، لا تدري ما الكتاب ولا الإيمان فعلمك ما لم تكن تعلم ، ووفقك لأحسن الأعمال والأخلاق . السعدي إنَّ أعظم الهداية هي الهداية لهذا الدين الذي رضيه الله لعباده ، أكمله لهم ، وأتمَّ به النعمة عليهم . ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتمم عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) وهذه النعمة حاصلة لعموم المسلمين على تفاوت في استقامتهم ، وتعظيم حرمات الله في قلوبهم . ثم بعد هذه النعمة يحتاج إلى نعمة الهداية إلى معرفة تفاصيل أجزاء الإيمان والإسلام وهذه هي الهداية التي يسألها المؤمن بقوله (اهدنا الصراط المستقيم) فالهداية للصراط المستقيم قال شيخ الإسلام : هي أن يفعل العبد في كل وقت ما أمر به في ذلك الوقت من علم وعمل . ولا يفعل ما نهي عنه اهـ وهذه الهداية بمعناها العام الشامل تتطلب علماً ومعرفة بالذي يناسب الحال ، واجتهاداً في البحث عن مراد الله من العبد في تلك اللحظة فإذا وفِّق لذلك وأدرك المطلوب منه على وجهه الصحيح هو بحاجة إلى توفيق الله تعالى للعلم والطاعة ، فكم من عالم لم يعمل بما علم ، هدي إلى العلم ولكن لم يهد للعمل . أدرك أنَّ هذا واجب وتاركه آثم ولكن لم تقو همته لامتثال أمر الله ، علم أنَّ هذا محرم وربما يكون من كبائر الذنوب ولكن هو مصرٌّ على غيه ، عاص ربَّه على بصيرة. فمثل هذا لم يهد الصراط المستقيم وإن كان هو المسلمين وبهذا تدرك أن دعاءك بطلب الهداية للصراط المستقيم ليس من تحصيل الحاصل بل إنه لا نجاة من العذاب ولا وصول إلى السعادة إلا بهذه الهداية ، فمن فاتته فهو إما من المغضوب عليهم ، وإما من الضالين . وتزداد معرفتك إلى حاجتك الماسة للهداية إلى الصراط المستقيم إذا علمت أنَّ الإنسان خلق ظلوماً جهولاً فهو ظالم لنفسه بالمعاصي التي تقسي قلبه ، وتذهب بركة عمره وماله . وظالم لها حيث يفوتها فضائل الأعمال وأسباب الأجور وتكفير الذنوب ونفسه أمانة عنده . وهو كذلك جهولا مغرق في الجهل (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً) والإنسان الموفق يرفع عن نفسه الظلم بإلزامها العدل ما استطاع ، فيتحرى العدل في قوله وفعله ، في جوارجها وقلبه فلا يظلم أحداً ، والظلم ظلمات يوم القيامة . وكذا الموفق يسعى في رفع الجهل عن نفسه حتى لا يفعل إلا عن علم ولا يترك إلا عن علم ، بل ولا ينطق ولا يظن إلا عن علم (ولا تقف ما ليس له به علم) ومع هذا كله (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) فاعرفوا رحمكم الله حاجتكم إلى هداية الله ، واطلبوها من مالكها (من يهد الله فهو المهتد ) ويقول الله تعالى عن إبراهيم الخليل في محاجته قومه (أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين الذي خلقني فهو يهدين ) وفي الحديث القدسي " يا عباد كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم " أقول قولي هذا .... الثانية : الحمد لله ... أما بعد :- فقد جاء حديثنا عن الهداية في وقت تشهدون وتسمعون عن أناس تفصمت فيه علاقتهم بتوفيق ربهم، فقد ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً وإذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده فالمتنصلون من أحكام دينهم، المنتقون من شرع ربهم، الذين جعلوا القرآن عضين، وسنة نبيهم عزين لاتزال أخبارهم تترى، وقصصهم تتوالى تصديقاً لقول النبي عليه الصلاة والسلام (إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيرا) وإن أسوأ الاختلال اختلال الفكر وزيغ القلب فيفتن الإنسان بشطط من الرأي ويعجب برديء من التوجه (والفتنة أكبر من القتل)، والفتنة أشد من القتل) وقد أسف الناس حينما سمعوا أن من الناس من استهان بحرمات الله ودمائهم وصار يساوم على أمور يزعم أنه راعيها وذو غيرة عليها وحمية لها أسف الناس حينما قرؤا وسمعوا مطالب مزعومة من فئة ضالة مقابل تخلية رجل برئ يؤدي عمله في بلاد اليمن اعتقلوه ظلماً وجعلوه ثمناً وورقة ضغط زاعمين . فأين هم من رب العالمين؟ لو صحت مقاصدهم أين هم من قوله تعالى (ولا تزروا وازة وزرى أخرى). وإن من خلط الأوراق والتلبيس على الناس واستجلاب العواطف أن تجعل القضايا التي تهم الناس وهي محل تفاعلهم أن تجعل مطية لأصحاب الأغراض المشبوهة فكما أننا لا نقبل أن يتكئ العلماني ولا اللبرالي على قضايا الشعب، وهاجس الناس وحوائج المواطنين لا نقبل أن يتكئ عليها ليمرر امخططات الفساد والتغريب كذلك لا نقبل أن يتكئ عليها من يتسمون بالقاعدة لتبرير إرهابهم واستحلال حرمات معلومة من الدين بالضرورة، ثم ينصبون أنفسهم ولاة لأمور المسلمين فهم دولة داخل الدولة التي يحلون فيها، ولهم مرجعيتهم السياسية والدينة لايقبلون إلا ما أشرب من هواهم إلا من هدى الله، والأيام الخالية والسنوات الماضية والحوادث الدامية بصرت كل ذي رأي ورشد في حقيقتهم وأنهم خوارج على الأمة أفسدوا سمعتها وأشمتوا بها حسادها، وأفرحوا عليها أعداءها . وإلا فماذا قدم أصحاب هذا الفكر المتطرف إلا إشغال المسلمين وتخطف شبابهم، والجرأة على ولاتهم. أما أنهم أعادوا جهاداً وأقاموا دعوتهم وأحدثوا عزة للمسلمين وصححوا مساراً فلا والله . فلا أعداء كسروا ولا بأمتهم نهضوا !! والمشتكى إلى الله في كل ذلك، ولكن البيان واجب وإنزال الأمور والناس منازلهم متعين . وقضايا المسجونين وغيرها هي قضايا للجميع لا نقبل أن يتصدر لها أحد ليعالجها بأهوائه ويجعلها دعاية يلفت نظر الناس إليه من خلالها . وإننا نسأل الله أن يوفق حكومتنا للرأي الرشيد في موضوع المسجونين بما يقطع أطماع المتربصين، ويشفي صدور قوم مؤمنين . وفق الله حكومتنا لذلك إنه ولي ذلك والقادر عليه . فاعتصموا رحمكم بدينكم ووحدوا صفوفكم وضعوا أيديكم في أيدي ولاتكم نصحاً وإخلاصاً في السر والعلن، ودعاء في ظهر الغيب . ولنأخذ العبرة ممن حولنا، ولنحذر أن يغير الله علينا بذنوبكم، (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم . وعن عمران بن حصين قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي يا حصين كم تعبد اليوم إلها قال أبي سبعة ستة في الأرض وواحدا في السماء قال فأيهم تعد لرغبتك ورهبتك قال الذي في السماء قال يا حصين أما إنك لو أسلمت علمتك كلمتين تنفعانك قال فلما أسلم حصين قال يا رسول الله علمني الكلمتين اللتين وعدتني فقال قل اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي . حديث صحيح رواه الترمذي، وغيره . . اللهم ألهمنا رشداً .....