• ×

د.عبدالرحمن الدهش

خطبة الجمعة 21-5-1433هـ بعنوان صحة النفوس

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  2.6K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه .... أما بعد :- فمن الأجور التي سجلها الله لبعض عباده، وجعلها مثوبة لأوليائه في الدنيا ويوم لقائه (فمن تبع هدايا فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون) . (فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) . (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولاهم يحزنون) أيها الإخوة: حينما ينتفي الخوف والحزن تطيب الحياة، وتبتهج النفوس، ويتسع ضيق عيشها، وتنشرح صدور أهلها . جاء شرح الصدر للنبي عليه الصلاة والسلام في أوائل منن الله عليه (ألم نشرح لك صدرك)، وهي دعوة نبي الله موسى عليه السلام حينما أرسله الله لمن قال أنا ربكم الأعلى (قال رب اشرح لي صدري) . وما انقبضت النفوس وضاقت الصدور إلا لما أعرضت عن ذكر الله (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً) . وفي حديث عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون و الأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا" صححه الألباني. فالأبدان تمرض وتهرم، والنفوس تعتل وتسقم . وإن من أمراض النفوس والأرواح ما علم علاجه، وجربت نتائجه، وبرئت منه النفوس المعتلة (وما أنزل الله من داء إلا وقد أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله) ومن أمراضها ما لم يعلم علاجه لحكم بالغة. والمرء مطالب أن يسعى في فكاك نفسه من علة المرض وينشد نعمة الله عليه بالعافية ليغتم صحته قبل سقمه . ألا وإن من دواء النفوس، وعلاج الأرواح، وفك عقدة القلوب، وشفاء الصدور ما لا يغالط فيه إلا جاهل أو متجاهل (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين) فالله يعض عبادة ويشفي صدورهم ويهديهم ويرحمهم بهذا الكتاب العظيم . فهل تذكر حينما قرأت تلك الآيات البينات من كلام ربك في زاوية من بيتك، أو في ركن من مسجدك؟ ألست تجد أثرها في قلبك حتى كأنك تمسك بها، وتتحسسها؟! نعم، تلك هي السكينة التي تنزل لقراءة القرآن، وهذه هي الرحمة التي حدثنا عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة) فاللهم لك الحمد على نعمة الإيمان ونعمة القرآن (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) . أيها الإخوة التقنية الحديثة، والأسباب المادية لم تسعد البشرية! ولو كانت مصدر سعادة لكان أسعد الناس في هذه الدنيا الذين جلبوا التقنية للعالم وأتقنوا صناعتها، وتفننوا في زهرتها . فلا طمأنينة ولا أمن لمن لا إيمان له (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن) (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) ألا وإن أعظم الإيمان الاتصال بالله وحسن مناجاته بالصلاة، والوقوف بين يديه فالمصلون أثبت الناس قلوباً وأقواهم في صراعهم مع أنفسهم (إن الإنسان خلق هلوعاً إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعاً إلا المصلين) . فالصلاة كما لها أثرها في الصحة البدنية قياماً وركوعاً وسجوداً كذلك تصحه في النفسية . كيف والنبي صلى الله عليه وسلم هو القائل أرحنا بها يابلال ؟. أيها الإخوة تطيب النفوس من عللها حينما تعلم يقيناً أن ما أصابها لم يكن ليخطئها وما أخطأها لم يكن ليصيبها فتوكلها كله لله وعلى الله (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء أو يضروك لم ينفعوك أو يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) فالرضا بالقضاء والقدر أحد أركان الإيمان حينها يعلم العبد أن للكون رباً يدبره، والحياة كلها قد أحاط الله بها فيما تستقبله وتستدبره . مما يعيق صحة النفس إطالة الالتفات إلى الماضي وقرع الأنامل على أيام مضت من عمر الإنسان ليتها كانت كذا أو تغير منها كذا، فلا يزال يعيد ملفات مضت فالذنوب التي سطرها وسبقت له توبة صادقة منها اتخذها الشيطان سبيلا للتنكيد عليه حياته فهو يقلبها بين ناظريه لا ليجدد توبته، ويحسن مستقبله ولكن ليضيق الدنيا بين ناظريه وربما استجره إلى سالف عهده وأعاده إلى سيء حاله ورديء فعاله، فاعتلت نفسيته فصار يسأل ويسأل ويهاتف المفتين، ويكرر الحديث مع المستشارين النفسايين فأفرح الشيطان بضعفه وقلة حزمه، فهو في مكانه يسير ويظن أن هذا حيطة لدينه، وتوثق لإيمانه فما أصعب حياته، وثقل أيامه ! شفاه الله وعافاه . وإنما الواجب على المسلم الذي أخطأ طريقة يوما من الدهر وعصى ربه أن تكون أيامه المستقبلية أيام فرح بتوبة الله عليه واغتباطاً بنعمة الله عليه بالهداية (لولا أن تداركه نعمة من ربه) (وقالوا الحمد لله الذي هدانا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) (وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى) هكذا حال العارفين. إن حصلت الزلة تعقبتها التوبة (وكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) وليكن لك - يا طالب الراحة النفسية- هذا منهجاً . فما مضى فات وخذ منه العظة والدرس ولا تكثر والظنون والحدس . تفاءل أيها الراغب في صلاح حاله واعتدال مزاجيته والله يقول (أنا عند ظن عبدي بي) فظن أيها العبد: الخير بالرب والله يحكم لا معقب لحكمه . والله غالب على أمره . هل وعيت هذا ؟ ليتك تعممه على كل غصص الحياة الماضية (لقد خلقنا الإنسان في كبد) فالماضي المعوج مع زوجتك وأولادك وأقاربك وأحبابك ليتك تستبدل المعوج منه بالصراط المستقيم وتفتح صلحاً وصفحاً مع من نزغ الشيطان بينك وبينهم، اذهبوا فأنتم الطلقاء، الطلقاء من كيد الشيطان ووسوسة النفوس فالعمر قصير والحياة لا يليق أن يفسدها علينا تافه الأمور والحقير . (قل إن صلاتي ونسكي ومحيايا ومماتي لله رب العالمين) فلا حظ فيها لأحد إلا أن يعيننا على أنفسنا، ويذكرنا إذا نسينا، ويعلمنا إذا جهلنا ... الثانية : الحمد لله .. أما بعد:- فقد كانت تلك الكلمات معالم في ضبط النفس، وإشارات لعلها تقضي على شكوك تخبط بها فئام من الناس، وقيدتهم وساوس فلم يدركوا دنيا، ولم يحفظوا دينا وإن كان الإنسان يؤجر على ما يعترضه في حياته كلها . فهو أيضا يؤجر على استنقاذها والرفع بها. وإليك حال بعض العارفين يقول ابن القيم رحمه الله: الوابل الصيب - (1 / 67) " وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول : إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة وقال لي مرة: ما يصنع أعدائي بي ؟ أنا جنتي وبستاني في صدري إن رحت فهي معي لا تفارقني إن حبسي خلوة وقتلي شهادة وإخراجي من بلدي سياحة وكان يقول في محبسه في القلعة : لو بذلت ملء هذه القاعة ذهبا ما عدل عندي شكر هذه النعمة أو قال ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير ونحو هذا وكان يقول في سجوده وهو محبوس اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ما شاء الله وقال لي مرة : المحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى والمأسور من أسره هواه ولما دخل إلى القلعة وصار داخل سورها نظر إليه وقال : (فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب) وعلم الله ما رأيت أحدا أطيب عيشا منه قط مع ما كان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية والنعيم بل ضدها ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشا وأشرحهم صدرا وأقواهم قلبا وأسرهم نفسا تلوح نضرة النعيم على وجهه وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله وينقلب انشراحا وقوة ويقينا وطمأنينة فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه وفتح لهم أبوابها في دار العمل فآتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها بعد هذا احذروا الأساليب الملتوية والطرق المسدودة في علاج النفوس والتنفيس عليها فالدخان و ما هو أخبث منه من المخدرات والمسكرات والأسفار المشبوهات ما كانت يوماً علاجاً للنفسيات ولكنها أدواء وليست بدواء فاللهم أصلح لنا ديننا الذين هو ...



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 09:28 مساءً الثلاثاء 1 يونيو 1446.