عنوان الخطبة:لا تعضلوهنّ بتاريخ: 07/ 05 / 1433 هـ الخطبــــــــــة الأولــــــى : إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره.. و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، و من يضلل فلا هادي له، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه و على آله و أصحابه و من سار على دربه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً .. أمـا بعـــــــــــــد ؛؛ فإن من أسوأ الظلم أن يَظلِم الإنسان و لا يدري أنه يَظلِم، يسمعُ التحذير من أعمال هو متلطخ بها، ثم يظن النصيحة لجاره ليست له. بعد هذا التنبيه، فحتى تكون الكلمات إلى قلبك وليست إلى قالبك فيا من قدّر الله على بنته طلاقاً من زواج سابق ، أو زواجين سابقين، أو أكثر من ذلك ، و لم يُكتب لها سَبق توفيق ، و ربك حكيم عليم و أنت يا ولي إمرأة سبق الأجل إلى زوجها ، فهي أيّم منه، تربّصت أربعة أشهر و عشراً، فقضت عِدّتها و ليس لها أولاد من زوجها المُتوفى ، أو لها أولاد ، فصغارهم أيتام في حَجْرها ، و كبارهم تحوّل همّهم الذي كان يحمله أبوهم، أو كان يحمل جزء منه تحوّل كله إليها، فلم يُنسها ألمَ فِراق الزوج إلا شُغل أولادها ، فنهارها همّ، و ليلها متابعة و غمّ. هذه الطائفة من بناتنا و أخواتنا و من جعل الله ولايتهم عندنا، هل نحن نقدر المسئولية تجاههم، و هل استشعرنا ثُقَلَهم بيننا . و إن كان يُقال " همّ البنات حتى الممات" فالشرع يقول لك : ( كلكم راعٍ و كلكم مسئول عن رعيته ) فرعايتهنّ حتى الممات، و مسئوليتهنّ في الحياة و بعد الممات. أيـــــها الأخ المبـــارك : نختصر لك القول، هل سمعت [ بالعَضْل ]، الكلمة ليست غريبة، قرأناها في كتاب ربنا { فلا تعضلوهنّ } [البقرة: 232] { يا أيها الذين آمنوا لا يحلّ لكم أن ترثوا النساء كَرْهاً و لا تعضلوهنّ } [ النساء: 19] إن العَضْل : هو منع الرجل من تحت يده من الزواج . فهو عَود بالحياة للجاهلية الأولى ، تحَكّم في عواطف المرأة و مشاعرها، و حرمانها من أن تلبي داعي الفطرة الذي جعله الله في أصل خِلقة المرأة { فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله } [الروم: 30] العضل مضاد لإحدى مقومات الحياة، و وأدٌ لأبسط صوره، و هو حق المرأة في السكن و الحياة الكريمة من غير نظر في العواقب و لا حسبان للنتائج. تسلط سافر وكبر قاهر . فهو إذاً أذية للمرأة في نفسيتها و بدنها و في حالها و مآلها . يمارس من يعضل مسلكاً من مسالك الظلمة، مستغلاً حياء المرأة و براءتها و حسن ظنها، و سلامة نيّتها ، وحرصها على سمعتها ، فلسان حاله يقول : " ما أُريكِ إلا ما أرى" . قد أصدر قراره أن تبقى هذه المطلقة بقية عمرها بلا زوج ، فزواجها الأول كافٍ في التجربة ، فاتخذ قراراً يزعم به أنه يحفظ به للمرأة كرامتها ، و لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين. الخُطّابُ محل سَخَطه، و نفض يده ، فكلامهم له هدر من الكلام ، والمتوسطون في الموضوع لا يُدركون الحقيقة، فواسطتهم مردودة عليهم فلا يزيده التودد إلا صدوداً، و لا ينفعه لين الكلام و التلطف في الطلب إلا سخرية و جموداً. إن كانت موليته عندها أولاد فعذره قاطع، و حُجَّته مقبولة كما يظن ، فلا يريد تشتت الأولاد، و لا تفريق اجتماعهنّ، ثم موّليّته ها هي في وظيفة فليست بحاجة للأزواج . سبحان الله، كيف غابت عن هذا الولي مقاصد النكاح، و كيف تجاهل هذا الولي حاجة المرأة لزوج بعد زوجها الذي كسرها بالطلاق ، أو بعد زوجها المُتوفى. نعم ؛ غابت عن هذا الولي المبارك أو تجاهلها لأنه غارق في سعادته مع زوجته، فأولاده ملكوا عليه تفكيره، و سدّوا عليه أن يشعر بمشاكل غيره، و إن كان هذا الغيرُ صاحب المشكلة إحدى بناته أو أُخته أو نحوهما. فما أحوجه إلى تذكير يُوقَظه من سباته ، و يرده إلى رشده. ألا فلتعلم أن في جعبة المستشارين في الأمور الزوجية، و لدى رجال الإصلاح أخبار قد غابت عنك. و عُذراً، قد تكون بعض هذه الأخبار قد تسللت إلى هؤلاء من بيتك، و خرجت من بين جدرانك. فلا يَغُرّنّك صمتٌ مُطبِقٌ من الأيّم التي في بيتك، فالصمت ليس دليل الرضى، ولكنه قد يكون صمتاً من قلب مكلوم، و من نفسٍ تكظم غيظاً يَفُتُّ الجبال فتّأ، و يَفُلُّ الحديد لو خرج شيءٌ منه. كيف، و هي ترى بنات جنسها يتسابق إليهنّ الخُطاب، و تصلها بطاقات دعوات الزواج فتكون خناجر في قلبها، و لا يمنعها أن تصيب ما أصابوا، و تسعد كما سَعِدوا، لا يمنعها إلا عَضْلُ وَليِّها الذي لا يقبل في الموضوع صرفاً و لا عدلاً. أيـــها المانعون من تحت أيديهم ؛؛ مهما اعتذرتم لأنفسكم، فهي معاذير بالية، ما دام حظ نفسك هو المُقَدَم ، و مطامعك الشخصية هي الفيصل في التزويج و عدمه. تقول للخطاب إنها لا ترغب في الزواج ، فانصرف الخاطب الأول ثم الثاني ثم الثالث ، ثم تسامع الناس أن بنت فلان المُطَلَقة التي عند أبيها منذ سنين لا تريد الزواج ، فأعرضوا عنها. و هذه المُطَلَقة التي وَثِقت بوليّها ، و وكلت أمرها بعد الله إليه، كشفت الأيام أن وليها خائن، و صادٌّ عن خير كان في طريقه إليها. و كم تأسى أن تعلم أن البنت التي تردد عليها الخُطاب لم تُحَط علماً بواحد منهم، و إنما قطع أبوها الطريق عليهم، و أفهمهم أن بنته أو موّليّته لا ترغب الزواج. أي جرأة من هذا الولي ، و كيف تقابل ربك حينما يسألك عن منعك مستحِقاً حقه، وأيّ قيمة ، أو ميزان لك حين تعلم بنتك أن أباها الذي طالما كَبُر في عينها ، المبجل في نفسها كان هو السبب في تقدم سنها بلا زواج. فما أعظم خسارتها في أبيها، و أعظم منها خسارتها زوجاً كفءًا يُعِزُّها كما عزت المتزوجات من معارفها . أتأمن، أتأمن أيها الولي أن ترفع بنتك كف الضراعة و الدعاء، تدعو على من حرمها حقاً يجب لها أن الله يحرمه مما يحب، لا تقل بعيدٌ هذا . فإن كنت قد تجرأت على شيءٍ لا حق لك فيه ، فلا تأمن تجروء بنتك أو من تحت يدك على شيءٍ لها حق فيه، بل و مأذونٌ شرعاً لها فيه . { لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم } [النساء: 148] و عوة المظلوم يرفعها الله تعالى فوق الغمام، و الله تعالى يقول : ( و عزتي، و جلالي، لأنصرنك و لو بعد حين ) . يا ولي المطلقة ، يا ولي المترملة بعد زوجها ، اتق الله فيمن تحت يدك ، فمنعك من تزويجها حتى يبقى لك مرتبها كله أو جُلّه، فلا تجد زوجاً مزاحماً لك، هذا عضلٌ قد تُعَجَل عقوبته . و اعلم أن أخذ مرتبها هو سُحْتٌ من المال ( فلا يحل مال امريء مسلم إلا بطيب نفس منه ) . وإن زعمت أنها معك في البيت ، تأكل مما تأكلون، و تشرب مما تشربون منه، فلا يحل لك أيضاً منه إلا بمقدار أكلها و شربها وقيمة سكنها. وإن زعمت أن زواجها يحرمها من جمعيات البر، و يلغي اسمها في مكتب الضمان، فأتعِس بهذا التفكير، و خيبة على قِصَر النظر ، كيف ترضى أن يبقى اسم موليتك في قوائم جهات المساعدات و الزكوات، و لا تسعى أن يبقى اسمها في قوائم المتزوجات السعيدات . وإن كان خاطبها المتقدم فقيراً، أو ذا مُرَتَب قليل ، فإن الزواج من أسباب الغِنى للزوجين إذا أصلحا النية. بل إننا نقول غُضَّ الطرف في مواصفات خاطب المطلقة، و لا تُنقّب كما كنت تنقب في خاطب بنتك لأول مرة ، فلكل فترة لباسها ، إلا أن شرط الدين و الخلق لا تنازل عنه. فاستعينوا الله عز و جل على أداء الأمانة التي حملكم الله إياها . أقول قولي هذا،، و استغفر الله لي و لكم و لجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.. الخطبــــــــة الثانيــــــــــــة : الحمد لله رب العالمين، و العاقبة للمتقين، و لا عدوان إلا على الظالمين.. و أشهد أن لا إله إلا الله رب العالمين، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و أصحابه و التابعين و سلم تسليماً كثيراً.. أمـا بعـــــــــــــد ؛؛ فيا من هو حريصٌ على نجاته في الآخرة، يطلب سعادته في هذه الدنيا قبل سعادته في الأخرى ، كيف بك إذا جئت يوم القيامة تطلب حسنات عملتها ، و باقيات قدمتها ، ثم لا تجد شيئاً من ذلك ، ذهبت كل هذه أجوراً لأناس ظلمتهم في الدنيا ، فلم يبق لك منها شيء ، فتبقى مفلساً من أعمال أحوج ما تكون إليها و النبي صلى الله عليه و سلم حدّثنا من المفلس: ( من يأتي يوم القيامة بصلاة و صيام و زكاة ، و يأتي قد شتم هذا ، و قذف هذا ، و أكل مال هذا ، و سفك دم هذا ، و ضرب هذا ، فيُعطى هذا من حسناته و هذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه ، أُخِذ من خطاياهم فطرحت عليه ، ثم طُرح في النار) . رواه مسلم و من يعضل موّليّته فإنه قد ظلم نفسه ، و جنى على موليته ، و ضيّع في أمانته ، و خالف أمر النبي صلى الله عليه و سلم بقوله : ( إذا جاءكم من ترضون دينه و خُلُقَه، فزوّجوه ) حسنه الألباني ، و له شواهد يتقوى بها. و الوليّ إذا امتنع من تزويج موّليته بكفءٍ رضيته؛ سقطت ولايته ، و انتقلت لمن بعده الأحق فالأحق ، و إن تعذر فوليّها السلطان. قال النبي صلى الله عليه و سلم - : ( السلطان ولي من لا ولي له ) رواه الترمذي . و يصير الولي العاضل، إذا أصرّ على عضله، يصير فاسقاً منتقض العدالة . فيا أيـــــها الـــــولي: إن هان عليك كل هذا ، و لم يحرك فيها تعظيم حدود الله عز و جل فإننا نخاطب فيك غَيرتك و حميتك لمحارمك، و نقول : احذر أن تكون سبباً في جنوح موليّتك التي عضلتها، فتلجأ إلى اشباع رغبة النكاح بطرق تسوءك، حينما تُمَكِّن ذئاباً من نفسها، و تضعف أمام منعطفات الزمن، فتتقاذفها فِتَن الزمن الملتهب ، و تختار الطريق المظلم، و أنت السبب حينما أغلقت الطريق المنير { ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة و من أوزار الذين يُضِلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون } [النحل: 25]. فاتقوا الله عبــاد الله - اتقوا الله تعالى أيها الأولياء ، و حاسب أيها الولي نفسك في يومك هذا . و اعلم أن شكايات المستضعفات لن تذهب سدىً بين الله و الناس ، و قد حَرَّج النبي صلى الله عليه و سلم حقّ الضعيفين، فقال : ( اللهم إني أُحَرِّج حق الضعيفين، اليتيمِ و المرأة ) حديث حسن رواه النسائي . ألا فاتقوا الله رحمكم الله و قوموا بمسئولياتكم ، { وأنكحوا الأيامى منكم } [النور: 32] . فاللهم أعنا على أداء الأمانة ، و جنبنا الخيانة. اللهم استعملنا في طاعتك، و أعَنّا على شكرك وذكرك وحسن عبادتك. اللهم إنا نسألك أن تُصلح مجتمعاتنا ، و أن تقيها الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم أصلح أحول المسلمين في كل مكان اللهم ولِّ على المسلمين خِيارهم ، و قِهم شُرور أشرارهم . اللهم من أراد الإسلام أو المسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره، و أفسد عليه أمره، و اجعل ما يخططه تدميراً عليه اللهم إنا نسألك فرجاً عاجلاً لأخواننا في سوريا ، اللهم فرج كربهم ، و اكشف محنتهم اللهم أسمعنا ما يسرنا ، و تطمئن به قلوبنا اللهم ارحم المستضعفين في بلاد الشام، اللهم احفظهم في أبدانهم ، و احفظهم في دينهم ، و احفظهم في أعراضهم. اللهم اجبر مصابهم ، اللهم ارحم ضعفهم ، و اجبر كسرهم . اللهم إنهم خلق من خلقك، لا حول لهم و لا قوة إلا بك. اللهم غيّر حالهم إلى أحسن حال، اللهم غيّر حالهم إلى أحسن حال. اللهم عليك بطاغية سوريا، اللهم عليك ببشار وحزبه، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر ، و أرِح المسلمين من شرّهم، و ارفع الولاية عنهم واجعلهم عِظة لغيرهم. يا من يقول للشيء كن فيكون، وهو على كل شيء قدير اللهم أصلح لنا ولاة أمورنا، و ألهم ولاة أمورنا رشدهم، و اجعلهم هادين مهديين ، برحمتك يا أرحم الراحمين ربنا اغفر لنا و لوالدينا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، و لا تجعل في قلوبنا غِلّاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم .