خطبة الجمعة 23-4-1433هـ بعنوان اللهم رحمتك
د.عبدالرحمن الدهش
04-27-1433 02:02 صباحًا
0
0
3.3K
الخطبــــــــــة الأولــــــى :
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره..
و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، و من يضلل فلا هادي له، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و أصحابه و من سار على دربه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً ..
أمـا بعـــــــــــــد ؛؛
فتتوالى منغصات الحياة، و تتقارب أزماتها، و لكن الثقة في قلب العبد المؤمن تنمو بمقدار ما ينمو اليأس في قلوب الغافلين، و نور الفرج يزيد و ينتشربأسرع من انتشار سحب الظلام في نظر المُحبطين.
أيـــــــــها الأخـــــــــوة :
دعونا نفتح أبواب الفأل على مصراعيه في زحمة الحياة، و صخب مشاغلها، و توتر نفسيات كثير من أهلها، في وقت بدأ التشاؤم على بعض الوجوه قبل أن تتكلم به الألسن.
إننا نقرأ جميعاً كتاب ربنا ، و نقرأ من بشاراته قوله تعالى : { ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم }،[ فاطر: 2 ].
حقاً أيها الأخوة إنها آية من كلام ربنا ، و سُنّة أمضاها خالقنا ؛ { ما يفتح الله للناس من رحمة } فالرحمة لا تأتي إلا بعد فتح ممن هي بيده، وهو الفتاح العليم.
فما هي الرحمة التي يفتحها الله ؟
وقبل ذلك لا يغب عن بالك أن الذي يفتح الرحمة هو عز وجل قد اتصف بها، و افتتح بذكرها كلامه في كتابه : بسم الله الرحمن الرحيم ( * ) الحمد لله رب العالمين (1) الرحمن الرحيم (2) }، [ الفاتحة: 1-2 ] .
فبرحمته عز وجل- أحسن كل شيء خلقه ، { ذلك عالم الغيب و الشهادة العزيز الرحيم ( 6 ) الذي أحسن كل شيء خلقه ... }، [ السجدة : 6-7 ].
وبرحمته أكرم عباده و عرّفهم نفسه ، { وربك الغفور ذو الرحمة }،[ الكهف : 58]. فسكنت نفوسهم ، و اطمأنت قلوبهم.
وبرحمته أرسل إليهم رسله { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين }، [ الأنبياء : 107 ]. .
وبرحمته أرشد العباد لمصالح معاشهم ومعادهم.
وبرحمته أحوج الخلق بعضهم إلى بعض، و جعل فيهم الغني و الفقير، و العزيز و الذليل، و العاجز و القادر، ثمّ عمّ الجميع برحمته { ربنا وَسِعت كل شيء رحمة و علماً }، [ غافر: 7 ].
ثم دعا الجميع لعبادته ، و رغّبَهم جنته، وجعل السبب الموصل إليها رحمته.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( سدِّدوا و قاربوا ، و أبشروا فإنه لن يدخل الجنة أحدٌ بعمله، قالوا : و لا أنت يا رسول الله ؟ قال : و لا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته )
عــــــــــباد الله :
إن آثار رحمة الله بعباد مشهودة، و إن معالمها كثيرة غير معدودة.
فاستمع ؛؛
دعونا ننظر إلى شيء من المواطن التي يفتح الله بها الرحمة، و كيف أثرها إذا قارنت أمراً من الأمور،
و إن رحمة الله تعالى تُقارِن ما يُنعِم الله به على عباده فتتم بالرحمة النعمة.
فيعطي المال ؛ فإذا اقترنت الرحمة بالمال، يصير ماله حلالاً ينتفع به، و يَسلَم من مسؤوليته، و يُبارَك له فيه فهو يُنفق منه سراً وجهراً .
و إن رحمة الله تقارن من لك بهم صلة ، فيكونون سبيلاً إلى كل خير.
فالرحمة تقارن الوالدين ، فيكونون عوناً لأولادهم على أنفسهم ، فبرحمتِهم أولادَهم يأمرونهم بالصلاة، و مكارم الأخلاق { يا بني أقم الصلاة و أمر بالمعروف و انه عن المنكر واصبر على ما أصابك }، [ لقمان: 17 ]، فينشأ الأولاد رحماء من بيت الرحمة .
حدّث أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - يأخذني فيُقعدني على فخِذه ، و يقعد الحسن بن علي على فخذه الآخر ثم يضمنا عليه الصلاة و السلام ، ثم يقول : ( اللهم ارحمهما فإني ارحَمُهُما ) [ اسناده صحيح ، رواه أحمد ].
الله أكبر ، ما أعظم سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، و ما أكرم أخلاقه.
فأين الجلادون ، أين الجلادون في بيوتهم لأولادهم ، الذكور و الإناث يجلدونهم لأتفه الأسباب، أين هم من الرحمة .
فُقِدت ؛ فُقِدت الرحمة لما ظُنّ التربية عصاً و رفع صوت و تسلطاً و طرداً من البيت .
و إن رحمة الله تعالى تقارن الزوجة و الولد، { وجعل بينكم مودة ورحمة } ،[ الروم: 21]، { ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا }، [ ص : 43] ، و { و لنجعله آية للناس و رحمة منا }، [ مريم : 21 ] ، و حينئذٍ تَقَرُّ العين و تطمئن البيوت ، { والذين يقولون ربنا هبّ لنا من أزواجنا و ذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً }، [ الفرقان: 74 ].
أيـــــــــــها الأخــــوة ؛؛
إن رحمة الله تعالى تقارن عافية البدن، و صحة الجسم، فتكون قواه عوناً على طاعة مولاه، فيجد بغيته من عبادة ربه، فهو الصائم القائم ، الماشي لما يحبه ربه ويرضاه.
وإن رحمة الله تقارن ذا الوجاهة في وجاهته، وذا السلطان في أمره ونهيه ، فهو المسؤول الرحيم الذي يكون رحمة على من تحت يده، هو مفتاح خير على أمته، فهو أداة إصلاح ، يحتسب عمله قبل أن يحسب مرتبه، يرجو ما عند الله قبل أن يرجو ما عند الناس، جمع القلوب بالرحمة قبل أن يجمعها بسوط الكلمة.
{ فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك }، [ آل عمران: 159].
ثم ؛ لنتوسع قليلاً في الرحمة، و كيف الشأن إذا قارنت تعامل الناس، وصارت ديدناً في طبعهم، و مَعلَماً في أخلاقهم.
حيئذ، حينئذٍ تضرُب الطمأنينة أوتادها، و تحلو الحياة لأصحابها، { فأما اليتيم فلا تقهر (9) وأما السائل فلا تنهر ( 10)}، [ الضحى : 9-10 ] ، رحمةً بهما ، و جبراً لكسرهما.
وفي مسند الإمام أحمد وغيره، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليس منا من لم يرحم صغيرنا، و يعرف شرف كبيرنا ).
ولا تقف الرحمة في حال الحياة، فهي ممتدة إلى آخر لحظاتها ، إلى ساعات الموت و الفراق، فعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال : دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلنا على إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ابنه إبراهيم فقبّله و شمّه ، ثم دخلنا عليه بعد ذلك، وإبراهيم يجود بنفسه - أي ينازع الموت- فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال : " وأنت يا رسول الله "، قال : ( يا ابن عوف إنها رحمة ) ، ثم أتبعها بأخرى ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( إن العين تدمع، و القلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، و إنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ) . [ رواه البخاري ].
وصدق الله العظيم حين وصف نبيه عليه الصلاة و السلام بقوله : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم }، [ التوبة : 128 ].
أقول قولي هذا،، و استغفر الله لي و لكم و لجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم..
الخطبــــــــة الثانيــــــــــــة :
الحمد لله رب العالمين، و العاقبة للمتقين، و لا عدوان إلا على الظالمين..
و أشهد أن لا إله إلا الله رب العالمين، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و أصحابه و التابعين و سلم تسليماً كثيراً..
أمـا بعـــــــــــــد ؛؛
فيا أيــــــــها الأخـــــــــوة ؛؛
إن رحمة الله تعالى إذا فتحها لأحد من خلقه وصلت إليه ولو كان في أضيق مكان و أبعد جهة { فلا مُمسك لها }[ فاطر: 2 ]. .
فتح الله رحمته على نبيه صلى الله عليه وسلم فنجاه من القوم الكافرين { و إذ يمكر بك الذين كفروا ليُثْبِتوك أو يَقتلوك أو يُخرجوك و يمكرون و يمكر الله و الله خير الماكرين }، [ الأنفال: 30 ].
وفتح الله رحمته على إبراهيم عليه السلام حينما ألقوه في النار، فقال الله تعالى : { قلنا يا نار كوني برداً و سلاماً على إبراهيم }، [ الأنبياء : 69 ]. .
وفتح الله رحمته على يعقوب و ابنه يوسف عليهما السلام فاجتمعا بعد فراق طويل .
وفتح الله رحمته على قلب أم موسى ، حينما ألقت رضيعها في اليم ، { فأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها }، [ القصص: 10 ].
وفتوحات الرحمة لا حدّ لها ، و لن تضيق رحمة الله بهذه الأمة المحمدية التي هي موعودة بالنصر و التمكين.
وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن هذه الأمة مرحومة ) . [صححه الألباني ].
فيا أيـــــــــــها الأخـــــــــوة ؛؛
إن حديثنا عن الرحمة جاء في زمن تحولت فيه قلوب بعض البشر إلى أمثال الحجر أو أشد قسوة.
وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حينما قسّم القلوب إلى قلبين ، تقسيماً في الحق، فكيف لو قُسّمت بالباطل
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله لَيُليّن قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن ، و إن الله تعالى ليُشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشدّ من الحجارة )
وفي ذلك أبلغ درس للعقلاء ، و أن من لم يكن على دينك فإنه لا يُعينُك ، بل هو ضدك و يتربص بك الدوائر و إن طالت الأيام.
ففي ظل الوحشية العلوية النصيرية الرافضية عرفنا حقائق قرآنية ، قال الله تعالى : { لا يرقبون في مؤمن إلّاً و لا ذمّة }[ التوبة : 10 ].
والرافضة و منهم النصيريون أصحاب كذب ونفاق ، و الله تعالى قال في هؤلاء ، قال : { هم العدو فاحذرهم }، [ المنافقون: 4 ].
و كيف !! كيف أن ابن الأسد ، أسدٌ كأبيه يُبَشِر شعبه بعذاب أليم ، فهو أسد على المظلومين و العُزّل و الأطفال و النساء و المساكين ، و هو المُحآدُّ لرب العالمين، عَلِمَ ذلك كل أحد ؛؛ وما لم تظهره وسائل الإعلام أعظم و أشد .
ثم هو بعد ذلك ، ثم هو حَمْل وديع على أعداء الإسلام و المسلمين يسوم قومه سوء العذاب ليُرضي ساداته من اليهود و النصارى و الملاحدة الروسيين و عبدة الأوثان من الصينين.
بَيْدَ أن سياسة " إما أن أحكمكم أو اقتلكم " ؛ هذا الشعار لا يزال له من ينصره، لا يزال هناك من يحمل لواءه ، و قد خلت من قبلهم الرؤساء، قالوها مُرعدين متوعدين ، فحَلَّت عليهم سُنّة الله ، و نزل بهم بطشه، فأصبحت أخبارهم في الغابرين ، و خطبهم الرنانة التي هزوا فيها أيديهم ، و علت بعباراتها أصواتهم ، وهتفت الجماهير المجمهرة المجمعة هتفت بتأييدهم.
كل هذه تبخرت ، كل هذه زالت ، فهي خبر بعد أثر ، و إنها والله عظات من الله للمتطاولين وعِبَر .
و لكن ؛؛ لله حكمة ، لله حكمة أنهم لا يتعظون ، و عن غيّهم لا يقلعون .
فيا أيــــــــها الأخـــــــوة ؛؛
في هذه الأيام الحرجة من تاريخ البلد السوري ، بل من تاريخ الأمة الإسلامية { إن هذه أمتكم أمة واحدة }، [ الأنبياء : 92 ].
في هذه الأزمنة يتأكد صدق التوجه إلى الله تعالى ، و مراجعة النفوس ، و استصلاح ما أفسدته الذنوب و المعاصي ، و تحريك القلوب بهذه القوارع التي تصيب المسلمين بما صنعوا أو تَحُلُّ قريباً من دارهم ، و إن الله تعالى يَدفع عن المسلمين بعضهم بصلاح بعض وصلاتهم و صدقاتهم و دعائهم .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنّ دعوة المسلمين تُحيطُ مِنْ ورائهم ) ،
وعلى فظاعة ما نسمع ، و شدة ما ينقل عبر الإعلام ، إلا أن بوادر رحمة الله و مقدماتها في تلك الانشقاقات العسكرية في الجيش السوري النظامي هي بوادر فرج - بإذن الله- ، و هي نصر من الله وفتح قريب ، فليستبشر المؤمنون.
أيــــــــها الأخـــــوة ؛؛
نحن في ساعة إجابة من يوم الجمعة ، فادعوا الله تعالى رافعين قلوبكم ، و لا ترفعوا أيديكم علّ الله تعالى أن يُبَدل حال إخواننا في كل مكان ، و أن يرفع عنهم الظلم ، إنه وليّ ذلك و القادر عليه .
فاللهم يا مجري السحاب ، و يا منزل الكتاب ، و يا هازم الأحزاب ، نسألك اللهم أن تهزم النظام السوري .
اللهم عليك بطاغية الشام ، اللهم عليك ببشار وحزبه، اللهم أرِنا فيهم ما يَسُرّنا ، و أسمعنا ما تطمئن به قلوبنا .
اللهم إنه ظلم و بغى ، و إنه لا يُعجِزُك ، اللهم خذه أخذ عزيز مقتدر ، اللهم ارفع عنه الولاية، و اجعله لغيره عِظة و آية .
اللهم إنا نسألك رحمة من رحماتك على الشعب السوري ، اللهم ارحمهم يا رحمن يا رحيم.
اللهم اكتب لهم فرجاً عاجلاً ، و من شدتهم مخرجاً ، و من ضيقهم سَعَة يا أرحم الراحمين.
اللهم قَوِّ إيمانهم ، و عاف مبتلاهم ، و اشف مرضاهم .
اللهم ارحم موتاهم ، اللهم اجبر كسرهم ، و ارحم ضعفهم .
اللهم انصر من نصرهم ، و اخذل من خذلهم ، اللهم عليك بالمتسمين بحزب الله ، و إنك تعلم أنهم حزب الشيطان، اللهم أبطل سعيهم، اللهم أبطل سعيهم .
اللهم عليك بالرافضة الذين يصدون عن سبيلك ، و يفسدون في الأرض و لا يصلحون .
على الله توكلنا ، ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ، و نجنا برحمتك من القوم الكافرين .
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان ، اللهم أصلح أحوالهم في أفغانستان وفي العراق و في بلاد كثيرة أنت أعلم بها منا .
يا من هو كل يوم في شأن ، نسألك اللهم أن تصلح أحوال المسلمين ، ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ، و نجنا برحمتك من القوم الكافرين .
وصلى الله و سلم على نبينا محمد و آله وصحبه أجمعين
شارك