• ×

د.عبدالرحمن الدهش

خطبة بعنوان ماذا بعد الحج ليوم الجمعة 14-12-1429هـ

د.عبدالرحمن الدهش

 0  1  34.4K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

الحمد لله سهَّل بفضله سبل الخير، ويسر ، بلَّغ أقواماً سبيل بيته المطهر، فقضوا تفثهم، ووفوا نذورهم، وأمل العبد من ربه مغفرة ما سلف وسطر . وأشهد ألا إله إلا الله ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى أصحابه خير البشر ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المحشر . أما بعد : - فاحمدوا الله على فضله ، واشكروه على تيسيره ، ونية المؤمن خيرٌ من عمله . فأبواب الخير للراغبين مشرعة ، وطرق تحصيل الثواب متنوعة . وجماع ذلك كله تقوى الله تعالى، وهي وصية الله للأوَّلين والآخرين، ولا أنفع من وصية الله تعالى (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن تقوا الله) وقال النبي صلى الله عليه وسلم \" يا معاذ : اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن \" فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتقوى الله في كل مكان في حضر أو سفر ، في سرٍ أو علانيةٍ (حيثما كنت) ثم بعد تقوى الله ، مجتهداً في فعل أمره ، تاركاً كل نهيه ، يأتي التسديد والإصلاح لما قد يقع فيه العبد من زلةٍ إثر غفلة، أو معصية بسبب جهالة (واتبع السيئة الحسنة تمحها) (إنَّ الحسنات يذهبن السيئات) فالسيئة نكتة سوداء في صحيفة ابن آدم، وإنما سميت سيئة لأنها تسوء صاحبها فهي ضيقٌ في صدره ، وسببٌ لنزعِ البركة من عمره ، وعمله وماله . وهي كذلك حسرة في آخرته (يوم تجد كل نفس ما عملت من خيرٍ محضراً وما عملت من سوء تودُّ لو أنَّ بينها وبينه أمداً بعيداً ) فاحذر يا من حجَّ بيت الله أن تدنس صحيفة أعمالك بعد أن عقلت قول النبي صلى الله عليه وسلم \" من حجَّ فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه \" . وأنت يا من صامَ يوم عرفة الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم يكفر السنة الماضية والقابلة . احذر الغيَّ بعد الرشد فقد تبين الرشد من الغيِّ . ولقد حرص قوم وفقهم الله - على إكمال حجهم فصاروا يسألون عن شعرة سقطت، وعن حصاة من جمارهم نقصت . وحرص آخرون على إتمام ضحاياهم فسألوا عن شقِّ في أذن الأضحية ، وكسر في قرنها ، فجزاهم الله خيراً حيث احتاطوا لدينهم ، وعظموا شرعهم . وحريٌّ بهؤلاء وهؤلاء أيضاً - أن يسألوا عما قد يسقط من دينهم، أو ينقصُّ من إيمانهم حريُّ بهؤلاء أن يسألوا عن التوحيد لرب العالمين ، وإخلاص العمل لله . وحريُّ بهؤلاء أن يسألوا عن أعظم ركن في هذا الدين بعد ركن الشهادتين حريٌّ بهم أن يسألوا عن الصلاة ، وكيف حال من يصليها بعد وقتها ؟ وكيف نتعامل مع من لا يصلي إلا قليلاً ؟ أو لا يصلي ألبتة ؟ ثم بعد هذا نسأل عن طيب المأكل، لقمة الحلال ؟ وكيف نصل إليها في زمن عجَّ فيه المال الحرام وثجَّ . وهل لقمة الحلال ما حلَّت في اليد كما هي قاعدة بعض الناس ؟ وكيف نتوقى هذه المعاملات الربوية التي اثقل بها أقوامٌ ، ودخلوها باسم الأرباح المضمونة ، والأقساط المريحة . أيها الإخوة با من تعلقت قلوبهم في الباقيات الصالحات، فهم من كل صالح يأخذون، وإلى ما يقربهم إلى ربهم سائرون . وإنَّ نعمة الله على العبد بالعمل الصالح نعمة عظيمة، الناس غافلون وأنت مشتغل بعبادة الله، رخصت أوقات قوم فهم على لهوهم مقبمون وأنت أدركت فضائل الأوقات، وتبصرت مواسم الأجور فشحت نفسك بدقائقها، واستمسكت بلحظاتها . فماذا بعد نعمة العمل؟ بعد نعمة العمل تأتي نعمة القبول ومعنى القبول أن عملك مرضي عند الله موافق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فهو مسطر في صحيفة حسناتك، تزداد به درجاتك، ويحط الله به ما شاء من سيئاتك. واستمع إلى خسارة من عمل عملا لم يصادف قبولاً عند الله يقول تعالى (وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى ناراً حامية) فهي خاشعة ذليلة أجهدت نفسها فهي عاملة نصبت أي تعبت من العمل، ثم نهايتها تصلى ناراً حامية؛ لأنها كانت مرائية في عملها فهي خاشعة خشوع النفاق، أو هي عاملة على وفق الهوى، ليس على وفق الهدى . فهم على يهودية محرفة، أونصرانية باطلة . ومن هؤلاء الفرق التي اجهدت نفسها بعبادات ما أنزل الله بها من سلطان فهم من أصحاب تعظيم القبور، وتأليه الأسياد، والترنم بالأدعية والتوسلات الشركية . خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين . فاطلب القبول بعد تيسر العمل، (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) فأحسن الظن بالله مع خوفك أن يكون في عملك شيء من موانع القبول ورد العمل . ألا وإن من أعظم أسباب القبول العجب بالعمل، والمنة به على الله (قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان)، وقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم (لا تمنن تستكثر) . قال الحسن البصري في معنى الآية: لا تمنن بعملك على ربك تستكثره . وقد أثنى الله تعالى على الذين عملوا واجتهدوا ومع ذلك خافوا عدم القبول قال الله تعالى \" والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون\" أي يعطون العطاء وهم خائفون وجلون أن لا يتقبل منهم لخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشرط الإعطاء وهذا من باب الإشفاق والاحتياط فعن عائشة أنها قالت: \" يا رسول الله الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف الله عز وجل ؟ قال : لا يا بنت الصديق ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق وهو يخاف الله عز وجل\" رواه الإمام أحمد، وفي رواية : لا يا ابنة الصديق ولكنهم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون وهم يخافون ألا يتقبل منهم\" فأعظم يا عبد الله الرجاء وأكثر الدعاء . والزم الاستغفار فمهما حرص الإنسان على تكميل عمله، وتحسينه فانه لابد من نقص أو تقصير وبالاستغفار بعد العبادات يسد الخلل ويستدرك ما فات . \"ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم\". أيها العبد الموفق العمل الصالح شجرة مباركة بالسقي تزداد ثمارها، وتورق أغصانها، وسقيها بالعمل الصالح فمن علامة القبول صلاح الحال بعد العمل الصالح، والإتيان بعمل صالح آخر فالحسنة بعد الحسنة منة ونعمة ودليل على صدق ورغبة، فمن فضل الله ورحمته أنه يكرم عبداً من عباده إذا فعل حسنة واخلص فيها لله أن يفتح له باباً وهمة إلى حسنة أخرى ليزداد قربه، وتبقى صلته بخالقه، قال الله تعالى \" ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه \" . فالله الله بداوم العمل. فيا من حج بيت الله كنت حريصاً على حجك، مجاهدا نفسك، تطلب فضائل الأعمال . فميدان العمل باق، والأنس الذي كنت تشعر به أيها الحاج في لحظات حجك تستطيع أن تطيل أمدها وتمد في مدتها بأن تحج كل يوم إلى ربك فالحج هو القصد إلى الله بقلبك قبل بدنك، فيا سعادة من كان قلبه إلى ربه ووجهته تجاه خالقه فعلاً وتركاً حتى يأتيه اليقين (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) . أقول قولي هذا الحمد لله ... أما بعد :- فلئن انقضى الحج فلم تنقض الأشهر الحرم بعد التي فضلها الله، فالعبادة فيها أعظم من العبادة في غيرها ، والذنب فيها أعظم من غيرها (إنَّ عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرمٌ ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) والأشهر الحرم هي ذو القعدة، وذو الحجة والمحرم ورجب. فعظموا ما عظم الله ، واعلموا أنَّ حياة الإنسان الحقيقية هي بطاعة الله عزَّ وجلَّ . فبالطاعة يطمئن الإنسان في حياته (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) ويأمن في عيشه، ويهتدي في أموره (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) . والطاعة سبب لتفريج الكربات والخروج من الورطات (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) والطاعة سبب للبسط في الرزق والتوسعة في العيش (وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً) . ويبقى فوق كل ذلك أن الطاعة سبب لنيل رحمة الله التي يدخل بها الإنسان الجنة (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) . (ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً قد أحسن الله له رزقاً) . أيها الإخوة: إنَّ الله عز وجل أمر بالتحدث بالنعمة بقوله \" وأما بنعمة ربك فحدث \" وإنَّ من حجَّ هذا العام أو كانت له متابعة لبعض أحوال الحجاج ، وماجدَّ في المشاعر يرى جهوداً هناك لا بدَّ أن يقال لصاحبها جزاك الله خيراً ، فالزحام الذي كان عند رمي الجمار في الأعوام السابقة يوشك أن يقضى على سببه بتلك التوسعة لمكان رمي الجمار، ثم بهذه الجسور الضخمة التي قامت على أعمدة كالجبال وهي لا تزال في طور التنفيذ بعد . من رأى ذلك علم أنَّ للبيت رباً يحميه ، وقد هيَّأ أناساً صادقين في معالجة مشاكل الحج اتبعوا القول الفعل . فالدعاء لهؤلاء بالسداد ومزيد التوفيق والرشاد لا يقوى عليه إلا الناصحون لأمتهم ولحكومتهم، بل ولأنفسهم . والدعاء للمحسن بإحسانه هو اعتراف لأصحاب الفضل بفضلهم ، والله تعالى يقول (ولا تنسوا الفضل بينكم) فاللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى ، اللهم اجزهم على ما قدَّموا خيراً من عندك وتمكيناً في أرضك، ومحبة ونصحاً لهم في القول والعمل من خلقك . اللهم وابعد عنهم كل بطانة سوء تسعى لمصلحتها ولو أضرَّ بغيرها . اللهم واجعل فيما فتحت به علينا من خزائن الأرض وأغدقته علينا من النعم اللهم واجعل في ذلك البركة، تقام به أمور الدين ، وتستصلح به أمور الدنيا ... فاللهم استعملنا في طاعتك وأعنا على ذكرك ... اللهم تقبل من الحجاج حجهم نقاط الخطبة : 1 الوصية بتقوى الله تعالى . 2 الحذر من تدنيس صحيفة الأعمال بعد الحج، وصيام يوم عرفة . 3 نعمة القبول بعد نعمة العمل . 4 إحسان الظن بالله والدعاء والاستغفار . 5 دوام العمل والحسنة بعد الحسنة . 6 الأشهر الحرم وثمار الطاعة . 7 الإشادة بجهود الحكومة في خدمة الحجاج . يمكنك الإستماع للخطبة من هناء



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 07:57 مساءً الخميس 19 مايو 1446.