فهؤلاء قوم ركبوا سفينة جميعاً قاصدين وجهة واحدة ليس بينهم رابطة إلا رابطة المسافرين عادة ، تعاون فيما ييسر سفرهم ، وأحاديث يمليها طول الفراغ ، وإيثار حمل على معظمه المجاملة ، فغرض الجميع إنهاء ساعات السفر وقطع لجة البحر ، ولو أنَّ لأحدهم قدرة في زيادة السرعة وتحريك عجلة القيادة لفعل ، ولكنه سير بنظام ، وسفينتهم تجري وفق سنن ، كيف إذا عرفت أنَّ هذه السفينة قد ركبها أقوام وأقوام فحمولتها من الركاب ليست هي الحمولة الأولى وطاقمها من البحارة ليسوا هم الطاقم الأولى ، وقد أوقرت من المتاع والبضائع الشيء الكثير ، وحُمد الله على سلامة الوصول مرات ومرات .
وفي مقابل هذه الإنجازات خسرت هذه السفينة بعض ركابها وغرق في جملة من رحلاتها طائفة ممن ظنوا الوصول على متنها ، وكم مرة أعلنت صفارات الإنذار ونودي بارتداء أسباب السلامة ولكنها جاءت الإنذارات متأخرة كثيراً فلم يجد من صيح بهم النجاة النجاة إلا قاع البحر مستقر لهم ، وغمرة المياه إلا محيطاً لهم .
فأصبحوا طعمة لحيتان لم تحلم بمثل هذه الوجبة السائغة جودة وكثرة فهي تأكل وتترك ، وتترك لتأكل .
ومصائب قوم عند قوم فوائد ، بل موت قوم حياة لآخرين .
أرأيت هذا المثل كيف هو منطبق مطابق لحقيقةلم يجاوزها فراكب البحر إما ناج في بدنه وأهله ، سالم في متاعه جرت بهم سفينتهم بريح طيبة فرحوا بها ، فهم بنعمة الله ولآياته ينظرون
(ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) .
وإذا قدر الله أمراً آخر جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم فصاروا يرون الموت قبل الموت يقول تعالى (أو يوبقهن بما كسبوا) أي : يهلكهن بماذا ؟ بماكسبوا ، فما كسبته أيديهم وما تحملته نفوسهم من الذنوب لحقهم شؤمه في البحر ، وبلغت شدته أن نكس عليهم سفينتهم فألقتهم عن ظهرها .
إنَّ هذا المثل والتصوير تجد أبلغ منه في كلام من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، تجده في كلام من أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم ففي صحيح البخاري وغيره عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما يقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم ( مثل القائم على حدود ، والواقع فيها مثل قوم استهموا سفينة فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها فكان الذي في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا ، فأخذ أحدهم فأسا فجعل ينقر أسفل السفينة فأتوه فقالوا ما لك قال تأذيتم بنا ولا بد لي من الماء فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا)
فالقائم على حدود الله هو المستقيم مع أوامر الله تعالى ولا يتجاوز ما منع الله تعالى منه ، وهو مع ذلك يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر .
أما (الواقع فيها) التارك للمعروف المرتكب للمنكر .
فهؤلاء ارتبطوا في مكان ما ، يعيشون في مجتمع واحد قرية أو محافظة أو نحوها فصار منهم من يتجاوز في شيء من المحرمات ، ويتخبط في بعض الممنوعات فهو صاحب هوى ، الشبهة تقلبه ، والشهوة تقوده ، وكما قيل : تود الزانية في الحي لو زنى الحي كله ، ويود السارق لو سرق الناس أجمعون ، فالعاصي يستوحش وحده يؤنسه العاصون مثله ، ولكنه أنس يعقبه وحشة طويلة ، وتسل بعده أسف وحسرة .
فالمجتمع مثلها مثل السفينة فراكب السفينة كما لا يمكنه أن يخرج منها وهي وسط الماء ، فكذلك الفرد في المجتمع لا يمكن أن يخرج منه نعم .
قد ينعزل ولكنه فيهم يناله ما ينالهم مدحاً وقدحاً .
أما أولئكم الذين حاولوا خرق السفينة فهم أصحاب الشبهات يبثونها في أوساط الناس يضربون القرآن بعضه ببعض ينتقون من السنة والأحاديث النبوية ما يخدم توجهاتهم ظانين ذلك ، ملبسين بها على دهماء الناس وعوامهم .
وعلامة هؤلاء كثرة حديثهم ، وقلة ورعهم ، وغمطهم حق علمائهم وأصحاب الفضل فيهم ، فهم نصبوا أنفسهم أنداداً لأصحاب الخير والنصح للأمة بل تجاهل جهدهم وأنهم لم يأت خير منهم ، والخير في تنحيتهم وإعطاء القيادة لغيرهم ، وكل يؤخذ من قوله ويترك .
وهي كلمة حق يراد بها الباطل .
هذا بعض جانب مظلم لأصحاب الشبهات وتتمة الظلام تجده في مقالات تكتب وحوارات تنشر ومطالبات ظاهرها النصح والرحمة وباطنها الغش والنقمة .
وفريق آخر ممن يشتغلون بخرق السفينة فهم من وصفهم الله بقوله (ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيماً) .
إنهم أصحاب الشهوات فلم يعد في العقل محل لتفكيرهم ، ولا للغيرة محل في نفوسهم فعقولهم في تحقيق شهواتهم ، وغيرتهم ماتت من أثر إدمانهم ، ومن كثرة مماستهم ذهب إحساسهم .
فمواضيع المرأة جنت جنونَهم وأفقدتهم توازنهم فهم ينادون بإقحام المرأة في ميادين العمل ناسبت أو لم تناسب لا يهم !!
يتباكون على قلة توظيف النساء ، والنساء شقائق الرجال ، وهن نصف المجتمع .
فهلا سعوا في إصلاح الشق الأول والنصف الأول من المجتمع ديناً وخلقاً وتوظيفاً ، وإذا صلح سوف يصلح بنفسه الشق الآخر .
الحجاب يعيق تطلعاتهم بل تدنياتهم فاشعلوها حرباً على الحجاب .
فكتبوا ولمزوا وهمزوا وسخروا ورسموا وعلقوا والله يقول (ويل لكل همزة لمزة) .
خطوات سار عليها المفسدون في الأرض في كثير من البلاد الإسلامية وما أشبه الليلة بالبارحة .
وإنما مقام الحديث حول من سيأخذ على أيدي هؤلاء وما نتيجة أخذهم ولم لا يترك كل آناء بما ينضح ؟
أما من سيأخذ على أيديهم فكل من أدرك خطرهم لا يسعه تغافل نخرهم في المجتمع كل بحسبه .
وأما لم لا يتركون ؟
فقد لخصه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا)
أجل إنَّ الأخذ على أيدي هؤلاء نجاة للجميع ، نجاة للسفينة براكبيها ، وتركهم وما أرادوا هلكة للسفينة وما فيها .
أقول قولي ...
أما بعد :-
فلعلك أدركت عظم مهمة من يأخذ على أيدي هؤلاء الخارقين في أسفل السفينة إنهم يسعون في نجاتنا جميعاً إنهم من ينكر المنكر على فاعله وإن غضب ، ويأمر بالمعروف وإن ثقل .
فعملهم سبيل النجاة ومصدر الخيرية (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر)
والتهاون في ذلك يكفي فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن أن يعمكم الله بعقاب ثم تدعونه فلا يستجاب لكم "
إنه من نعم الله علينا ونعم الله كثيرة من نعم الله علينا في هذا البلد المبارك حكومة وشعباً أن وجد جهاز حكومي يتسمى بالاسم الذي اختاره الله له من غير خجل (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمغروف وينهون عن المنكر ...)
فهذا الجهاز بهيئته يقوم بواجب كفائي لو تخلّىَ عنه لأثم الجميع .
فمن سوف يحث على أداء الصلاة أول ما يحاسب عليه الإنسان يوم القيامة .
ومن سيمنع ذلك المستخف بهذه الشعيرة فهو جار للمسجد لم يقو إيمانه على الإتيان به إلى المسجد فصار رجل الهيئة عونا له على نفسه ، وإن ورم أنفه .
وإن كانت تكون عندك فتلك فمن سيحفظ بناتنا بعد حفظ الله من شباب قلَّ حياؤهم فهم ذئاب البشر حول حرماتنا في الأسواق وبوابات المدارس ، ومن سيقول لذلك البائع الذي لم يخف ربه فجعل من محله شركاً ينظر منه ويلين القول فيه فهو يظلم نفسه وبظلم غيره من سيقول له : إما أنت تتقي الله في محلك وتراعي حرمات الله أو نحن ساعون في إغلاق محلك وأعراضنا أغلى عندنا من يضاعتك من سيقول هذا إلا رجل الهيئة المؤيد بالسلطان ، والله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن .
وتجاوز هذا إلى أوعية الخمور التي أريقت والمخدرات التي اكتشفت كانت ستأخذ طريقها إلى بطون أبنائنا وإخواننا لولا لطف الله، ثم يقظة رجال الأمن ومنهم رجال الهيئة .
أما عن مداهمة بيوت الفساد وإتلاف أشرطة المجون واكتشاف السحرة وحيلهم فهي أخبار لعلك طالعت جملة منها في أخبار صحفنا المحلية .
والمقام ليس مقام دفاع ولا دعاية وإن كان مقام الدفاع والدعاية محمود في هذه الحال .
ولكنه تبصرة أرجو أن تبقي على قناعتك بهذه الشعيرة ، وألا تستخفنك كتابة بعض الصحفيين ومقولات هنا وهناك لبعض القائلين فإن هؤلاء من خراق السفينة أدرك حنقهم كلُّ منصف، ومن توفيق الله لولاتنا أنه لم يفلح هؤلاء في زعزعتهم عن قناعتهم في جهاز الهيئة وتصريح أعلى المسؤولين واضحة في مناسبات عدة .
وفي أحد اللقاءات السابقة مع وزير الداخلية جاءت كلماته تنبئ عن وعي المسؤول عن كيد بعض الحاقدين الذين طالما نبح في مقالاتهم وفي رسومهم (الكركتير) وفي مقابلاتهم في القنوات والمواقع .
وقال سموه: إن بعض وسائل الإعلام تضخم أخطاء رجال الهيئة وتتصيد السلبيات وهذا لا يجوز فرجال الهيئة يؤدون واجبهم وقد يخطئون ولكن يصلحون أخطاءهم ويعالجونها وفق الأنظمة.
وقال: وبحكم قربي والتصاقي بعمل الهيئة ورجاله أجد الصواب أكثر من الخطأ ولم أجد خطأ إلا وصحح .
أيها الإخوة: وإنما نقلت هذه الجمل لأنَّ هذا الكلام هو الذي في نفسي وفي نفسك وفي نفس كل غيور على الحرمات، صادق في ولائه لأمته، مشفق على هذا البلد من أن تتخطفه أفكار المضلين .
إلا أنَّ بعض هؤلاء المضلين لشدة مكرهم قد لا تسكتهم الكلمة، إلا أن تعلو على رؤوسهم الدِّرة درة السلطان إلا لم تنفك عن يد عمر رضي الله عنه .
(لتأخذن على يد السفيه و لتأطرنه على الحق أطرا)
بعد هذا كله حق علينا أن نتواصى في تحقيق هذه الشعيرة، متنبهين لكل جهد مشؤوم يسعى للإجهاض عليها، داعين للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكرين مشجعين لهم بالكلمة والرأي والمشورة، فرحين مغتبطين بجهودهم لم يغب عن أذهاننا قول النبي عليه الصلاة والسلام (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده وهذا لأصحاب السلطة - فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم
ولم يغب عن أذهاننا قوله تعالى (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور)
فاللهم أحسن عاقبتنا في الأمور ....