• ×

د.عبدالرحمن الدهش

خطبة الجمعة 10-06-1432هـ

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  2.3K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

الخطبــــــــــة الأولــــــى : إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره.. و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، و من يضلل فلا هادي له، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه و على آله و أصحابه و من سار على دربه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً .. أمـا بعـــــــــــــد ؛؛ فإن من أسوأ الظلم أن يَظلِم الإنسان و لا يدري أنه يَظلِم، يسمعُ التحذير من أعمال متلطخ بها، و يظن النصيحة لجاره ليست له. بعد هذا التنبيه، فحتى تكون الكلمات إلى قلبك ليست إلى قالبك فيامن قدّر الله على بنته طلاقاً من زواج سابق ، أو زواجين سابقين، أو أكثر من ذلك ، و لم يُكتب لها سَبق توفيق ، و ربك حكيم عليم و أنت يا ولي إمرأة سبق الأجل إلى زوجها ، فهي أيّم منه، تربّصت أربعة أشهر و عشراً، فقضت عِدّتها و ليس لها أولاد من زوجها المُتوفى ، أو لها أولاد ، صغارهم أيتام في حجرها ، و كبارهم تحوّل همّهم الذي كان يحمله أبوهم تحوّل كله أو أكثره إليها، فلم يُنسها ألمِ فِراق الزوج إلا شُغل أولادها ، فنهارها همّ، و ليلها متابعة و غمّ. أيـــــــــها الأخــوة: هذه الطائفة من بناتنا و أخواتنا و من جعل الله ولايتهم عندنا، هل نحن نقدر المسئولية تجاههم، و هل استشعرنا ثِقَلَهم بيننا . و إن كان يُقال " همّ البنات حتى الممات" فالشرع يقول لك : ( كلكم راعٍ و كلكم مسئول عن رعيته ) فرعايتهم حتى الممات، و مسئوليتهم في الحياة و بعد الممات. أيـــــها الأخ المبـــارك : نختصر لك القول، هل سمعت [ بالعَضْل ]، الكلمة ليست غريبة، قرأناها في القرآن الكريم { فلا تعضلوهنّ أن ينكحن أزواجهنّ } { يا أيها الذين آمنوا لا يحلّ لكم أن ترثوا النساء كَرْهاً و لا تعضلوهنّ } إن العَضْل : هو منع الرجل من تحت يده من الزواج . فهو عَود بالحياة للجاهلية الأولى ، تحكم في عواطف المرأة و مشاعرها، و حرمانها من أن تلبي داعي الفطرة التي جعله الله في أصل خِلقة المرأة { فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله } العضل مضاد لأحد مقومات الحياة، و وأدٌ لأبسط صوره، و هو حق المرأة في السكن و الحياة الكريمة من غير نظر في العواقب و لا حسبان للنتائج. تسلط سافر من بعض الأولياء، و قهر قاهر . فهو إذاً أذية للمرأة في نفسيتها و بدنها و في حالها و مآلها . يمارس من يعضل مسلكاً من مسالك الظلمة، مستغلاً حياء المرأة و براءتها و حسن ظنها، و سلامة نيّتها ، مستغلاً حرصها على سمعتها ، فلسان حاله يقول لموليته: " ما أُريكِ إلا ما أرى" . لقد أصدر قراره أن تبقى هذه المطلقة بقية عمرها بلا زوج ، فزواجها الأول كافٍ في نظره في التجربة ، فاتخذ قراراً يزعم به أنه يحفظ للمرأة كرامتها ، و لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين. الخُطّابُ محل سَخَطَه، و نفض يده ، فكلامهم له هدر من الكلام ، أما المتوسطون في الموضوع فهم لا يُدركون الحقيقة، فواسطتهم مردودة عليهم فلا يزيد التودد إلا صدوداً، و لا ينفعه لين الكلام و التلطف في الطلب، لا ينفعه إلا سخرية و جموداً. إن كانت موليته عنده، فأولادها عذر قاطع، و حُجَّة مقبولة كما يظن ، فلا يريد أن يشتت الأولاد، و لا يريد أن يفرق جماعتهم، ثم موّليّته هي في وظيفة فليست بحاجة للأزواج كما يظن . فياسبحان الله، كيف غابت عن هذا الولي مقاصد النكاح، و كيف تجاهل هذا الولي حاجة المرأة لزوج بعد زوجها الذي كسرها بالطلاق ، أو بعد زوجها المُتوفى عنها. نعم ؛ غابت عن هذا الولي المبارك أو تجاهلها لأنه غارق في سعادته مع زوجه، فأولاده ملكوا عليه تفكيره، و سدّوا عليه أن يشعر بمشاكل غيره، و إن كان هذا الغيرُ صاحب المشكلة إحدى بناته أو أُخته أو نحوهما. فما أحوجه إلى تذكير يُوقَظ به من سباته ، و يرده إلى رشده. ألا فلتعلم أيها الولي العاضل لتعلم أن في جعبة المستشارين في الأمور الزوجية، و لدى رجال الإصلاح أخبار قد غابت عنك. و عُذراً، قد تكون بعض هذه الأخبار قد تسللت إلى هؤلاء من بيتك، و خرجت من بين جدرانك. فلا يَغُرّنّك صمتٌ مُطبِقٌ من الأيّم التي في بيتك، فالصمت ليس دليل الرضى، ولكنه قد يكون صمتاً من قلب مكلوم، و من نفسٍ تكظم غيظاً يَفُتُّ الجبال فتّأ، و يَفُلُّ الحديد لو خرج شيءٌ منه. كيف، كيف و هي ترى بنات جنسها يتسابق إليهنّ الخُطاب، و تصلها بطاقات دعوات الزواج فتكون خناجر في قلبها، و لا يمنعها أن تصيب ما أصابوا، و تسعد كما سَعِدوا، إلا عَضْلُ وَليِّها الذي لا يقبل في الموضوع صرفاً و لا عدلاً. أيـــــــها الأخــــوة ؛؛ أيـــها المانعون من تحت أيديهم، مهما اعتذرتم لأنفسكم، فهي معاذير بالية، ما دام حظ نفسك هو المُقَدَم ، و مطامعك الشخصية هي الفيصل في التزويج و عدمه. إنك تقول للخطاب إن بنتك لا ترغب الزواج ، فانصرف الخاطب الأول ثم الثاني ثم الثالث ، ثم تسامع الناس أن بنت فلان المُطَلَقة التي عند أبيها منذ سنين لا تريد الزواج ، فأعرضوا عنها. و هذه المُطَلَقة التي وَثِقت بوليّها ، و وكلت أمرها إليه بعد الله، كشفت الأيام أن وليها خائن، و صادٌّ عن خير كان في طريقه إليها. و كم تأسى أن تعلم أن البنت التي تردد عليها الخُطاب لم تُحَط علماً بواحد منهم، و إنما قطع أبوها الطريق عليهم، و أفهمهم أن بنته أو موّليّته لا ترغب الزواج. أي جرأة من هذا الولي ، و كيف تقابل ربك حينما يسألك عن منعك مستحِقاً حقه، أيّ قيمة ، أيّ ميزان لك حين تعلم بنتك أن أباها الذي طالما كَبُر في عينها ، أن أباها المبجل في نفسها كان هو السبب في تقدم سنها بلا زواج. فما أعظم خسارتها في أبيها و أعظم منها خسارتها زوجاً كفءًا يُعِزُّها كما عزت المتزوجات من معارفها . أتأمن ، أتأمن أيها الولي أن ترفع موليتك كف الضراعة و الدعاء، تدعو على من حرمها حقاً أن يحرمه الله تعالى من حقٍ له، لا تقل بعيدٌ هذا . فإن كنت قد تجرأت على شيءٍ لا حق لك فيه ، فلا تأمن تجروء بنتك أو من تحت يدك على شيءٍ لها حق فيه، بل و مأذونٌ شرعاً لها فيه . { لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم } و عوة المظلوم يرفعها الله تعالى فوق الغمام، و يقول الله تعالى : ( و عزتي، و جلالي، لأنصرنك و لو بعد حين ) . يا ولي المطلقة ، يا ولي المترملة بعد زوجها ، اتق الله فيمن تحت يدك ، فمنعك من تزويجها حتى يبقى لك مرتبها كله أو جُلّه، فلا تجد زوجاً مزاحماً لك عضلٌ قد تُعَجَل عقوبته . و اعلم أن أخذ مرتبها هو سُحْتٌ من المال ( فلا يحل مال امريء مسلم إلا بطيب نفس منه ) . إن زعمت أنها معك في البيت ، تأكل مما تأكلون، و تشرب مما تشربون منه، فلا يحل لك أيضاً منه إلا بمقدار أكلها و شربها وقيمة سكنها. إن زعمت أن زواجها يحرمها من جمعيات البر ، و يلغي اسمها في مكتب الضمان، فأتعِس بهذا التفكير، و خيبة على قِصَر النظر ، كيف ترضى أن يبقى اسم موليتك في وائم جهات المساعدات و الزكوات، و لا تسعى أن يبقى اسمها في قوائم المتزوجات السعيدات . إن كان خاطبها المتقدم فقيراً، أو ذا مُرَتَب قليل ، فإن الزواج من أسباب الغِنى للزوجين إذا أصلحا النية. بل إننا نقول غُضَّ الطرف في مواصفات خاطب المطلقة، و لا تُنقّب كما كنت تنقب في خطاب بنتك لأول مرة ، فلكل فترة لباسها ، إلا أن شرط الدين و الخلق لا تنازل عنه. فتبصروا رحمكم الله عز و جل ، و اعرفوا كيف تسلمون من مسئولية حملّها الله إياكم، و استعينوا بالله، و من يستعن بالله يُعنه. أقول قولي هذا،، و استغفر الله لي و لكم و لجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.. الخطبــــــــة الثانيــــــــــــة : الحمد لله رب العالمين، و العاقبة للمتقين، و لا عدوان إلا على الظالمين.. و أشهد أن لا إله إلا الله رب العالمين، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله بالمؤمنين رؤوف رحيم، صلى الله عليه و على آله و أصحابه و التابعين و سلم تسليماً كثيراً.. أمـا بعـــــــــــــد ؛؛ فيا من هو حريصٌ على نجاته في الآخرة، يطلب سعادته في هذه الدنيا قبل سعادة الأخرى ، كيف بك إذا جئت يوم القيامة تطلب حسنات عملتها ، و باقيات قدمتها ، ثم لا تجد شيئاً من ذلك ، إنما ذهبت حسناتك أجوراً لأناس ظلمتهم في الدنيا ، فلم يبق لك منها شيء فيأخذ هذا من حسناتك ، و هذا من حسناتك ، كما بيّن ذلك النبي صلى الله عليه و سلم و وصفه بأنه المُفلِس لما سأل أصحابه عنه فقال : ( من يأتي يوم القيامة بصلاة و صيام و زكاة ، و يأتي و قد شتم هذا ، و قذف هذا ، و أكل مال هذا ، و سفك دم هذا ، و ضرب هذا ، فيُعطى هذا من حسناته و هذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه ، أُخِذ من خطاياهم فطرحت عليه ، ثم طُرح في النار) . نسأل الله العافية . و من يعضل موّليّته فقد ظلم نفسه ، و جنى عليها ، و ضيّع في أمانته ، و خالف أمر النبي صلى الله عليه و سلم بقوله : ( إذا جاءكم من ترضون دينه و خُلُقَه، فزوّجوه ) حسنه الألباني ، و له شواهد. و الوليّ إذا امتنع من تزويج موّليته بكفءٍ رضيته؛ سقطت ولايته ، نعم ، سقطت ولايته ، و انتقلت لمن بعده ، و إن تعذر فوليّها السلطان. قال النبي صلى الله عليه و سلم - : ( السلطان ولي من لا ولي له ) . ثم يصير الولي بعضله إذا أصرّ على ذلك ، يصير فاسقاً منتقض العدالة . أيـــــها الـــــولي: إن هان عليك كل هذا ، و لم يحرك فيك شيئاً تعظيم حدود الله عز و جل فإننا نخاطب فيك غَيرتك و حميتك لمحارمك، و نقول : احذر أن تكون سبباً في جنوح موليّتك التي عضلتها، فتلجأ إلى اشباع رغبة النكاح بطرق تسوءك، حينما تُمَكِّن ذئاباً من نفسها، و تضعف أمام منعطفات الزمن، فتتقاذفها فِتَن الزمن الملتهب ، و تختار الطريق المظلم، و أنت السبب حيث أغلقت الطريق المنير { ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة و من أوزار الذين يُضِلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون } . فاتقوا الله عبــاد الله - اتقوا الله أيها الأولياء ، و حاسب نفسك أيها الولي في يومك هذا . و اعلم أن شكايات المستضعفات لن تذهب سدىً بين الله و الناس ، و قد حَرَّج النبي صلى الله عليه و سلم حقّ الضعيفين، فقال : ( اللهم إني أُحَرِّج حق الضعيفين، اليتيمِ و المرأة ) حديث حسن . فاتقوا الله رحمكم الله و قوموا بمسئولياتكم ، { وأنكحوا الأيامى منكم } ، و استعينوا بالله عز و جل فإنها مسئولية فيها أجرها لمن قام بها، و عليه وِزرها إن فرّط بها . فاللهم أعنا على أنفسنا ، اللهم أعنا على أداء الأمانة ، و السلامة من النقص أو الخيانة، برحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم إنا نسألك أن تحفظ أعراضنا ، و أن تُصلِح مجتمعاتنا ، و أن تعيننا على ما تحبه و ترضاه، يا رب العالمين . اللهم إنا نسألك أن تصلح أحوال المسلمين في كل مكان . اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان. اللهم ولِّ على المسلمين خِيارهم ، و قِهم شُرور أشرارهم ، اللهم دافع عنهم الفتن ، وقهم شرورها يا رب العالمين . اللهم إنا نسألك فرجاً عاجلاً لأخواننا في ليبيا ، اللهم إنا نسألك فرجاً عاجلاً لهم ، اللهم اكشف كربهم ، و فك محنتهم يارب العالمين . اللهم إنا نسألك فرجاً عاجلاً لأخواننا في بلاد سوريا ، اللهم فك كربهم ، اللهم مكن لهم في ديارهم ، و لا تجعل للظالمين من النُصًيرين عليهم سبيلاً ، يا قـــوي يا عــــزيز اللهم أصلح أحوال المسلمين في بلاد كثيرة ، و اجمع كلمتهم على الحق. اللهم ولِّ على المسلمين خِيارهم . ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ، و نجنا برحمتك من القوم الكافرين . اللهم عليك بالنصارى الحاسدين ، و عليك باليهود الحاقدين ، و عليك بالرافضة المنافقين . لا إله إلا أنت ، اللهم انصر كتابك ، و سنة نبيك ، و عبادك المؤمنين . ربنا ظلمنا أنفسنا و إن لم تغفر لنا و ترحمنا لنكون من الخاسرين . عبـــاد الله : اذكروا الله العظيم يذكركم، و اشكروه على نعمه يزدكم ، و لذكر الله أكبر ، و الله يعلم ما تصنعون.



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 08:51 مساءً الثلاثاء 1 يونيو 1446.