خطبة الجمعة 01-12-1432هـ
د.عبدالرحمن الدهش
02-21-1432 12:11 مساءً
0
0
2.5K
الخطبــــــــــة الأولــــــى :
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره..
و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، و من يضلل فلا هادي له، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و أصحابه و من سار على دربه إلى يوم الدين، و سلم تسليماً كثيراً ..
أمـا بعـــــــــــــد ؛؛
فدارت الشهور ، و تفلّتت الأيام ، و انسلخ من الليل النهار ، فها أنت في نهاية العام ..
فمن لطف الله تبارك و تعالى و كرمه ، أن بارك في الختام ، و جعل من أيامه أفضل أيام العام ، فحلَّت بكم معاشر الأخوة ، حلَّت بكم عشر ذي الحجة ، أيام معلومات ، ضاعف الله العمل فيها ، و كتب من الأجر ما لم يكتبه في غيرها..
يقو ل النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما من أيام العمل الصالح فيها أحبّ إلى الله من هذه الأيام ) ؛ يعني أيام العشر ، قالوا : يا رسول الله و لا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : و لا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه و ماله فلم يرجع من ذلك بشيء ) رواه البخاري
و في رواية ( ما من أيام أعظم عند الله ، و لا أحبَّ إليه من العمل فيهنّ ) ..
إنها أيام عشر ذي الحجة ..
لقد كان الموفقون يرون في أيام رمضان ، و العشر الأخيرة منه ، كانوا يرون فرصة من فرص العمر ..
فأيام عشر ذي الحجة فضّلها كثير من أهل العلم على أيام العشر من رمضان ..
فأين المشمرون ، أين من يرجون الباقيات الصالحات ..
حقاً أيــــــــــــها الأخــــــــــــــوة ؛؛
إننا نضيع أعمارنا بغفلتنا ، و تَفوتَنا مواسم الخير بتكاسلنا ..
ألا فلنعظم ما عَظَم الله ، و من يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ..
قال ابن القيم رحمه الله - : " أيام عشر ذي الحِجة أفضل من أيام عشر رمضان ، و ليالي العشر الأخيرمن رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة " .
و ما قاله رحمه الله في فضيلة هذه الأيام العشر هو ظاهر كلام النبي صلى الله عليه و سلم ، و كيف لا تكون كذلك و فيها يوم عرفة ..
قال النبي صلى الله عليه و سلم في صيامه : ( يُكفر السنة الماضية و الباقية ) رواه مسلم .
و في هذه الأيام العشر يوم النحر ، و هو خير الأيام عند الله ، هو يوم الحج الأكبر ..
فاعرفوا رحمكم الله اعرفوا لمواسم الفضيلة فضلها ، و تزودوا فيها ، و اغتنموا عظيم أجرها ..
أيــــــــــها الأخــــــــوة ؛؛
إن من أعمالكم ما يُشرع في كل السنة ، و لكن يتأكد فضله في مواسم الخير و المضاعفة ..
- فهذه الصلوات الخمس جعلها الله صلة بين العبد و ربّه ، يُفضي فيها المخلوق إلى خالقه قارئاً لكلامه ، مُسَبحاً ، معظماً له ، يناجي فيها ربه ، يسأله حاجته ، و يشكو إليه ضعفه ..
فاحرصوا ، احرصوا رحمكم الله عليها فهي نجاتكم ، اشهدوها مع جماعة المسلمين ، لا يشغلنكم عنها شغل ، فلا خير في عمل منعكم فريضة ربكم ..
- تقدموا ، تقدموا إلى الصلاة جمعة و جماعة ، فلا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة ..
تقدموا مكاناً ، قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( لو يعلم الناس ما في النداء ، و الصف الأول ، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ) متفق عليه .
فأيـــــــــن ؟! أيــــــــــن الذين يلوذون بأطراف المسجد ، و مؤخرته عن هذا الحديث ؟ّ!
أيــــــــــها الأخـــــــــوة ؛؛
- قطع لذيذ النوم في صلاة الفجر ، و كُلفة الخروج لجماعة المسجد من تمام الابتلاء ، من تمام الابتلاء يتبين فيه قوي الإيمان ممن فيه شبه من المنافقين ، و خور في استقامته على هذا الدين ، فاجتهدوا رحمكم الله ..
- ثم اجتهدوا بعد ذلك ، اجتهدوا في تكميل صلاتكم بالنوافل ..
فما من عبد مسلم يصلي لله تعالى كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير الفريضة ، إلا بنى الله له بيتاً في الجنة ..
و قال النبي صلى الله عليه و سلم في راتبة الفجر ؛ قال : ( ركعتا الفجر خير من الدنيا و ما فيها ) رواه مسلم ..
معـــــاشر الأخـــــــــــوة ؛؛
من الأعمال المتأكدة في هذه العشر :
- الصوم ؛؛ وهو مما اختصه الله تعالى لنفسه ..
قال الله تبارك و تعالى : ( الصوم لي و أنا أجزي به ) ؛ فاعتنموا هذه الأيام القصيرة الباردة ، اغتنموها بصيام التسع من ذي الحِجة ، أو صيام ما تيسر منها ، لا سيما يوم عرفة ..
و من كان عليه قضاءٌ من رمضان ، فلا حرج عليه أن يصوم هذه الأيام لإدراك فضلها ، أو يصوم يوم عرفة ثم يكون القضاء فيما بعد ..
لأن القضاء موسع و هذه الأيام تفوت ..
و لو صام هذه الأيامَ بنيَّة القضاء ، فهو أحسن ، و أسرع في إبراء الذمّة ، و نرجو أن يُحَصِّل فضلها ..
فيجعل النية للقضاء ، و لموافقتها للأيام الفاضلة، نرجو له أن يُحَصِّل أجر تلك الأيام ..
أيـــــــــــــها الأخـــــــــوة ؛؛
- باب الذكر و قراءة القرآن ؛ باب عظـــــــــــــــــيم ..
فلا تُخلَّ أيهــــــــــــا الموفــــــــق لا تخلِّ يوماً منها إلا و قد حَصَّلت حظاً وافراً من كلام ربك ، تتلو آياته و تحرك بها قلبك ..
- ثم ؛؛ صلة الأرحام ؛ و الصدقات ؛ و غيرها ؛ رياضٌ للعاملين ، و سياحة ربانية للراغبين ..
- و الذكر في هذه الأيام له مزيد خاصية ، و متأكدٌ بأفضلية ..
لقوله تبارك و تعالى : { و يذكروا اسم الله في أيام معلومات } ..
قال ابن عباس رضي الله عنهما هي : " عشر ذي الحجة " ..
فأكثروا من ذكر الله بالتكبير و التحميد و التهليل ..
و التكبير آكد الذكر في هذا المقام ..
فيكبر الإنسان في بيته ، و سوقه ، و مكتبه ، و مسجده ، و في دخوله و خروجه ..
يرفع الرجل بذلك صوته اظهاراً لهذه الشعيرة لا حياءَ و لا مراءاة لأحد ..
هكذا هدي السلف من الصحابة و من بعدهم ..
قد كان ابن عمر و أبو هريرة رضي الله عنهما كانا يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران و يكبر الناس بتكبيرهما ..
قال مجاهد رحمه الله تعالى لرجل يُكبر : " أفلا رفعتَ صوتك ، فلقد أدركتهم و إن الرجلَ ليُكبر في المسجد فيَرتَجُّ بها أهل المسجد ، ثم يخرج الصوت إلى أهل الوادي ، حتى يبلُغ الأبطح ، فيرتجُّ بها أهل الأبطح ) ..
فما أجمل هذه الشعيرة ، و ما أوقعها على نفس المُكَبِّر و السامع ..
يتعبد بها الكبير ، و يسمعها و ينشأ عليها الصغير ..
فكبروا قائلين : " الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، و لله الحمد ".
و إن جعل التكبير ثلاثاً فلا بأس ، و إن كبَّر بغير هذه الصفة ، فلا بأس ..
ثم اعلموا رحمكم الله ؛؛
- أن أفضل أعمالكم التي اختصت بها هذه الأيام حجُّ بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً ..
فالحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة ..
و النبي صلى الله عليه و سلم يقول : ( من حجَّ فلم يرفُث و لم يفسق رجع كيومَ ولدته أمه ) متفق عليه ..
- فمن قدر في بدنه و ماله بعد قضاء الواجبات و النفقات الشرعية ، و الحوائج الأصلية ، فليبادر إلى الحجِّ قبل أن يعرِضَه ما يمنعه ، فيكون آثماً بتأخيره ..
- و من لم يقدر لصعوبة التكاليف ، و غلاء أجور الحملات ، فإنه معذور ، و مُسَجَلٌ اسمه عند الله في الحُجاج بنيته الصادقة ..
- و كذا من ترك الحجَّ طاعة لولاة الأمر في تنظيم الحجّ ، و ترك عنه تحايلات المتحايلين ، فهو حاج أيضاً بنيته الصادقة ..
فبادروا رحمكم الله إلى الحجّ ، مستعينين بالله ، محتسبين فِراق أوطانكم و أهليكم و أولادكم ، راجين من الله خَلَفاً في نفقاتكم ، موطنين أنفسكم على التعب و جُهدٍ يلاقيكم ..
فإن الحجَّ جهادٌ لا قتال فيه ..
قال النبي صلى الله عليه و سلم لعائشة : ( إن أجرك على قدر نصبك و نفقتك ) ..
- و اختاروا لحجكم رُ فقة تعينكم على أنفُسِكُم فيهم من طلبة العلم و الناصحين ما يكونون سبباً في صحة حجكم ، و تكميل نقصكم ، و إجابة لما قد يُشكِلُ عليكم ..
- و تعرَّفوا على صفة حج النبي صلى الله عليه و سلم بالقراءة فيها و السؤال عنها ، ليكون حجكم على أتم وجه ، و أكمل حال ..
ثم اعلموا ؛ اعلموا وفقني الله و إياكم :
- أن نبيكم صلى الله عليه و سلم قال : ( إذا دخلت العشر و أراد أحدكم أن يضحي فلا يَمَس من شَعره و بشره شيئاً ) ..
و في رواية : ( و لا يُقَلِمَنَّ ظُفُره ) .. فهذا نهي النبي صلى الله عليه و سلم لمن أراد أن يُضحي من رجلٍ أو امرأة ، من دخول شهر ذي الحِجة حتى يُضَحي..
- و أما من يُضَّحى عنه فلا يمتنع عن شيءٍ من ذلك ..
- و من كان قائماً على ضحايا غيره وكيلاً أو وصيّاً ، فإن لم تكن عنده أُضحية خاصة به فلا يلزمه أن يُمسِك عن شعره لأجل الوصايا أو الوكالات التي لغيره ..
أيــــــــــــها الأخـــــــــــوة ؛؛
- الإنسان يتعبد لله تعالى بترك شَعَره و ظُفُره و بَشَرته ، كما أنه يتعبد لله بحلقها ، حيث أُمِر بها في موضعٍ آخر ..
فلا تُطَل رحمك الله نَقاشاً .. لعل الحلق أيام العشر لعله ليس كبيرة من الذنوب ، أو لعله مكروهٌ ليس محرماً ، و غرَضُك من هذا أن تُعمِل الموسى في حلق ما أمرك الشارع بإبقاءه ، و هو شعر اللحية ..
فاعلم رحمك الله أنه لا مخرج لك من قول النبي صلى الله عليه و سلم : ( أعفوا اللحى ) ، بل إن هذه الأيام المباركة فرصة لتخلص من هذه السيّئة التي طالما اشتُهِرت بها حينما يُقال فلانٌ الحليق نسأل الله الهداية للجميع ..
و من يستعن يُعِنْهُ الله عز و جل ..
وفقني الله و إياكم لكل خير ، و جنَّبنا كل شر ..
أقول قولي هذا ، و استغفر الله لي و لكم و لجميع المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ..
الخطبــــــــة الثانيــــــــــــة :
الحمد لله رب العالمين ، و العاقبة للمتقين ، و لا عدوان إلا على الظالمين..
و أشهد أن لا إله إلا الله رب العالمين، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله - صلى الله عليه- و على آله و أصحابه و التابعين و سلم تسليماً كثيراً..
أمـا بعـــــــــــــد ؛؛
فسنة الله تعالى ، سنة الله تعالى في الموت ماضية على كل أحد ..
فإن لله ما أخذ و له ما أعطى ، و كل شيء عنده بأجل مسمى ..
و في أول هذا الأسبوع فقدت الأمة زعيماً من زعمائها ، و واحداً من أُمرائها ، ذلكم الأمير الذي تواتر المتحدثون على كريم خُلُقِه ، و سعة بذله ..
عُلِم ما عُلِم ، و جُهِل ما جُهل ، و كل شيء عند ربي في كتاب لا يضل ربي و لا ينسى ، فإنا لله و إنا إليه راجعون ..
و من رحمة الله تعالى بهذه البلاد من رحمتها أنها أمة متماسكة رغم تهويش المُهَوّشين ، و إرجاف المُغرِضين ، فها هي تبايع من بعده رجلاً عرفته بالغَيرة على أمته ، و الحرص على رعيّته ، طالما ساند رجال الحسبة ، و تنبَّه لمكر العلمانيين من الصحفيين و غيرهم ممن رَكِبوا الموجة ..
فواجب على كل مسلم أن يفرح بالخير ، و يحتفيَ بأهله ..
و النبي صلى الله عليه و سلم جعل النصيحة هي الدين فقال : ( الدين النصيحة ) و من ضمنها النصيحة لأئمة المسلمين ..
قال ابن رجب رحمه الله تعالى : " و أما النصيحة لأئمة المسلمين فحُبُّ صلاحِهم و رُشدِهم و عدلهم ، و حبُّ اجتماع الأمة عليهم ، و كراهية افتراق الأمة عليهم ، و التدين بطاعتهم في طاعة الله عز و جل ، و البُغضُ لمن رأى الخروج عليهم ، و حُبُّ اعزازهم في طاعة الله سبحانه " ..
و عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم : (ثلاثٌ لا يَغِلُّ عليهنَّ قلبُ مؤمن : اخلاص العمل لله ، و مناصحة ولاة الأمر ، و لزوم جماعة المسلمين ، فإن دعوتهم تُحيط من ورائهم ) رواه أحمد و ابن ماجه ..
و في صحيح مسلم عن عوف بن مالك رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( خِيار أئمتكم الذين تُحبونهم و يحبونكم ، و يُصلون عليكم و تصلون عليهم ) يعني تدعون لهم ..
فاحمدوا الله تعالى على جمع الكلمة ، و وِحدة الوجهة ، و اسألوه المزيد من التوفيق و السداد ..
فاللهم اغفر لولي عهدنا الراحل الأمير سلطان مغفرة من عندك ، اللهم جازه بالحسنات إحساناً ، و بالسيّئات صفحاً و غُفراناً ، اللهم لا تحرمنا أجره ، و لا تَفتنَّا بعده ..
اللهم أحسِن عاقبتنا في خادم الحرمين الملك عبد الله ، و في نائبه الأمير نايف ، و في بقية الأمراء ، اللهم قوِّهم في الحق ، اللهم أعِنهم على ما أقدموا عليه ..
اللهم ألهمهم رُشدهم ، و قِهم شرور أنفسهم ، اللهم ارزقهم بطانة صالحة ، تُعينهم إذا ذكروا ، و تذكرهم إذا نَسوا ، اللهم اجعلهم مفاتيح لكل خير ، مغاليق لكل شر ..
اللهم وَفِق ولاة أمور المسلمين في كل مكان ..
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان ، و هيء لهم من أمرهم رَشَدا .
اللهم إنا نسألك فرجاً عاجلاً لإخواننا في سوريا ، اللهم إنا نسألك فرجاً عاجلاً لإخواننا في سوريا ، اللهم لا تجعل للنُصَيريين عليهم سبيلاً ، اللهم احقن دماء المسملين في سوريا ، و آمنهم في دورهم ، و استر عوراتهم ، و آمن روعاتهم ، و مكِّن لهم في ديارهم ، و ولي عليهم خيارهم ، يا رب العالمين ..
اللهم إنا نسألك أن تصلح أحوال المسملين في تُونُس ، و أن تصلح أحوالهم في مصر ، و أن تصلح أحوالهم في ليبيا ، و أن تصلح أحوالهم في اليمن و في العراق ، و في بلاد أنت أعلم بها ، يا ربنا ..
ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ، و نجنا برحمتك من القوم الكافرين ..
ربنا اغفر لنا و لوالدينا ، و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ، و لا تجعل في قلوبنا غِلّاً للذين آمنوا ، ربنا إنك رؤوف رحيم ..
ثم اعلموا رحمكم الله أن وليَّ أمركم قد أمر بالخروج لصلاة الاستسقاء في يوم الإثنين القريب ، في الساعة السادسة و خمسً و عشرين دقيقة ، فاخرجوا إليها في الجامع الكبير ، و في جامع المستشفى ، و في جامع الملك خالد ، اخرجوا إليها راغبين ، طالبين من ربكم غَوث السماء ، إن ربكم قريب مجيب ..
و الحمد لله رب العالمين ..
و صلى الله و سلم على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين ..
شارك