• ×

د.عبدالرحمن الدهش

خطبة الجمعة 07-1-1433هـ و اترك البحر رهواً

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  2.5K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله، جعل نصر المؤمنين حقاً عليه، وعلا شأنهم في الدنيا، ويوم يرجعون إليه،
وجعل لذلك أسباباً يبتلي بها الصابرين، ليعلم العبد أن العاقبة للمتقين، وأن الله يدافع عن المؤمنين.
وأشهد أن لا إله إلا الله رب العالمين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله قام بنصرة هذا الدين وجاهد الكافرين المعاندين - صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين وسلم تسليماً كثيراً ..
أما بعد:
فاذكروا أيام الله لعلكم تفلحون، واذكروا نصره لأوليائه لعلكم تشكرون، واذكروا خذلانه لأعدائه لعلكم تتقون،
وإن نصر الله لعباده المؤمنين في السابقين واللاحقين هو نصر لكل من يدين لرب العالمين لأنه نصر للحق والعدل، وخذلان للباطل وأهل الفساد { إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} ..
المسلم ..المسلم.. كما يفرح أن نصر الله رسوله في بدر والأحزاب، يفرح أيضا أنه أهلك قوم نوح وعاد وثمود، وصبَّ على الظالمين منهم ومن غيرهم سوط عذاب،
وإنَّ نصر الله قريب، وفرجه ليس ببعيد { إن تنصروا الله ينصركم }
{ و ليعلم الله من ينصره ورسوله بالغيب إن الله قوي عزيز }
أيها الإخوة ..
في هذا الشهر الحرام منذ قرون مضت وأعوام خلت حصل نصر لعبد أُذي في الله فصبر واحتسب، وخرج من بلده خائفا يترقب، حصل نصر لكليم الله موسى - عليه السلام -، وأحد أولي العزم من رسله، ونصر الله تعالى نبيه موسى على من تكبر على الملأ وقال { أنا ربكم الأعلى }..
جاء موسى - عليه الصلاة والسلام- جاء.. فرعون بالآيات والبينات وقال له قول لينا لعله يتذكر أو يخشى، ولكن غلبت على فرعون شقوته، وقال مستعليا على ربه، ساخراً بموسى وبدعوته { وما رب العالمين }، فحآجّه موسى..
فلما عجز فرعون عن ردِّ الحجة، لجأ إلى ما يلجأ إليه العاجزون المتكبرون من التخويف والوعيد ...
فتوعد موسى بالسجن، فقال: { لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين }،، يوحي كلامه بتهديده لموسى قوة الإخافة وأسلوب التسلط حيث يجعله ضمن مساجين عنده، إذ لم يقل "لأسجُنَنَّك" ..
وإلى هذا الحد يا - عباد الله- إلى هذا الحد من القصة الطويلة، فيه دليل واضح على أن دعوة الله وتبليغ رسالته، مبذولة ومعروضة على كل أحد، وما تدري لعلهم يتقون، أو يحدث لهم ذكراً فيتعظون،
ليس هناك طائفة فوق الدعوة، مهما علا طغيانها، وتنوع كبرها وعصيانها، سواءً كان بسبب الرياسة، أو جاهٍ أو مالٍ أو كثرة فتن وتغير زمان أوغير ذلك..
وفي سيرة النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم- ما يشهد لذلك، حيث عرض دعوته على صناديد قريش والكبراء، كما عرضها على المماليك والنساء،
و قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن ..
ثم لما قامت الحجة على فرعون وقومه الذين أضلهم فرعون وما هدى لم يكن أمامهم من سبيل إلى رد دعوة موسى، لم يكن أمامهم من سبيل إلا الجحود الذي سببه الظلم والعلو {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كانت عاقبة المفسدين}
وفي هذا يا - عباد الله- فيه أبلغ التحذير من الظلم والكبر فقد يكونان سبباً في رد الحق وجحد ما يجب على العبد، والله تبارك وتعالى يقول {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق }
فما منع فرعون، ما منع فرعون من قبول دعوة موسى عليه السلام إلا تكبره على الحق واحتقاره لنبي الله موسى، { أما أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين}..
فوصف موسى كليم الله بأنه:
- { مهين } أي ذليل محتقر..
- { و لا يكاد يبين } لثقل لسانه، و صعوبة الكلام عليه..
و أما ظلم فرعون .. فقد آذى بني إسرائيل و استضعفهم، يذبح أبناءهم و يستحيي نساءهم..
و أما قومه .. { فاستخف قومه فأطاعوه }، استخف بعقولهم، و أطهر لهم ما يوهمهم أنه ربهم، و أن أمرهم بيده..
و حينما أراد الله نهايته .. تحقيقاً لسنة سبقت في عباده (( إن الله تعالى ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يُفلته ))،، { و كذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى و هي ظالمة إن أخذه أليم شديد} ..
حينما أراد الله ذلك،، كان هلاك فرعون بالماء .. الماء الذي كان يفتخر به.. { أليس لي ملك مصر و هذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون } ، كان هلاكه بالغرق..
فأوحى الله لموسى أن يسريَ ليلاً ببني إسرائيل، حتى بلغوا البحر، و كان فرعون و جنوده ورائهم يريدون اللحاق بهم و القضاء عليهم..
هناك على ساحل البحر، { قال أصحاب موسى إنا لمدركون }، البحر أمامهم، و العدو خلفهم،
ظاهر الأمور الحسية الهلاك المحقق، و لكن الثقة بالله، و قوة الإيمان تظهر في وقتها، و التوكل على الله تعالى هذا ميدانه، فقال موسى عليه السلام الموعود بنصر الله، قال { كلا إن معيَ ربي سيهدين}،
فأمره ربه.. أن يضرب بعصاه البحر، فانفلق، فصار اثني عشر طريقاً يبساً، و صار الماء من بين تلك الطرق كالجبال العظيمة، فسلكه موسى و قومه،
فلما خرجوا منه .. أمر الله تعالى موسى أن يترك البحر رهواً؛ أي بحاله، ليسلكه فرعون و قومه، { إنهم مغرقون }..
فلما تكامل موسى و قومه خارجين منه، و فرعون و قومه داخلين فيه، أمر الله البحر أن يلتطم عليهم .. فغرقوا عن آخرهم..
و لما عاين فرعون الموت، و أيقن نزوله به، آمن حيث لا ينفع الإيمان، آمن على ذل و صغار، { قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل و أنا من المسلمين }، رضي أن يكون تابعاً.. بعد أن كان آمراً ناهياً.. فلم يقل " آمنت بالله" ، أو " صدقت موسى" إيماناً مستقلاً.. فقيل له : { أآلآن و قد عصيت قبل و كنت من المفسدين}، و نسي في تلك اللحظة، نسيَ قوله { أنا ربكم الأعلى }،
فما أضعف البشر.. ما أضعف البشر أمام قوة الله،
و ما أقرب نهاية الإنسان و هو يتمادى في طغياه.. { إن بطش ربك لشديد }،
أسأل الله تعالى أن يحسن لنا و لكم الخاتمة..
أقول قولي هذا و استغفر الله لي و لكم و لجميع المؤمنين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم..


الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، و العاقبة للمتقين، و لا عدوان إلا على الظالمين، و أشهد أن لا إله إلا الله رب العالمين.. و أشهد أن محمداً عبده و رسوله، صلى الله عليه و على آله و أصحابه و اتباعه إلى يوم الدين، و سلم تسليماً كثيراً..
أما بعد؛؛
فلقد نجى الله موسى و قومه في العاشر من محرم، و لذا كان هذا اليوم يوماً معظماً عند اليهود، كانوا يصومونه شكراً لله..
و لما قدم النبي صلى الله عليه و سلم- وجد اليهود يصومونه، قال : (( أنا أولى بموسى منكم ))، فصامه النبي صلى الله عليه و سلم- و أمر بصيامه،
وبيّن أن صيامه يكفر السنة الماضية، فصوموا- وفقكم الله- ، صوموا و حثوا أولادكم على صيامه، و شجعوهم على ذلك..
و حيث لم يعلن رسمياً دخول شهر محرم، فإن القاعدة الشرعية: أن يكمل الشهر الذي قبله ثلاثين يوماً.. و عليه : يكون اليوم العاشر هو يوم الثلاثاء..
و حيث أمرنا بمخالفة اليهود، فالسنة أن يضاف إلى الثلاثاء يوم الإثنين، و بصومه أيضاً يستوثق منه الإنسان لعاشوراء، على حسب القاعدة في تكميل الشهر، و على حسب الحساب في التقويم..
و إن أضاف إليهما يوم الأحد،، فهي ثلاثة أيام من شهر محرم، يشرع إكثار الصيام فيه، و إن اكتفى به تكفيه عن صيام ثلاثة أيام من كل شهر..

أيها الأخوة..
في صيام يوم عاشوراء.. دلالات على أمور عظيمة:-
- منها: أن المسلمين أولى الناس بموسى عليه الصلاة و السلام- ، بل إنهم أولى الناس بكل نبي بعثه الله تعالى إلى قومه..
- و من دلالاته العظيمة: أن نعم الله إنما تقابل بمزيد شكرٍ و عبادة، فمن أنعم عليه ربه بنعمة ظاهرة أو باطنة، فعليه شكرها بعبادة الله و مزيد قرب منه..
فهل تنبهت يا عبد الله و أنت تتفيؤ نعمة الله في نفسك، و في ولدك، و بلدك، و تسمع في نفس الوقت عن أناس يُتخطفون قتلاً ة اعتقالاً في بلدانٍ كثيرةٍ اختل أمنها، و صارت نهباً للظالمين و عملائهم.. و هذه التفجيرات المتكررة لم تسلم منها الأنفس الآمنة، والأسواق المكتظة، أرعبت الناس، و القتلى فيها بالعشرات..
فاحمد الله تعالى على الأمن و جمع الشمل..
و قيد ما أنت به من نعمة .. بشكرها، و الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم..
أيضاً أيها الأخوة - لا يُشرع عمل آخر غير الصيام..
قال شيخ الإسلام رحمه الله - : " لم يصح في عاشوراء إلا فضل الصيام" ، و ربما شاهدت، أو اطلعت على مظاهر احتفال بهذا اليوم فهذا من البدع..
و كذا ربما شاهدت، أو اطلعت على من يقيم مآتمَ و أحزاناً، و اظهار أسف في خشوع للشيطان، و بكاء لغير الرحمن، كما هي حال الرافضة { الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً }..
فاحمد الله على العافية، و اسأله الثبات على الأمر..
فاللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، و تحول عفيتك، و فُجاءة فقمتك، و جميع سخطك..

اللهم بارك لنا فيما أنزلته من مطر السماء، و تابع علينا فضلك، يا رحمن يا رحيم..
- أيها الأخوة - :
من شكر نعمة المطر.. ألايتعجل أحدٌ بجمع الصلاتين، إلا حين توجد المشقة التي تستدعي الأخذ بالرخصة..
و إن ترددت أيها المصلي.. هل هذا مما يبيح الجمع من عدمه، فالأصل أن تصلي كل صلاة في وقتها.
و لئن تخطيء في ترك الجمع، خير من أن تخطيء، فتجمع لأمر لا يستدعي الجمع..
و الأمور- كما ترون- و لله الحمد ميسرة، و الطرقات مسفلتة، و السيارات رواحل مصونة، فلا تختلفوا ، و لا يستخفّ بعضكم بإمامه، أو يكره جماعة مسجده، أو يتحول المسجد إلى محل للجدل، و تعالي الأصوات، كل ينتصر لرأيه.
اسأل الله عز و جل أن يهدي الجميع، و أن يجمع القلوب على ما يحب و يرضى..
اللهم أصلح أحوالنا جميعاً، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم ولِّ عليهم خيارهم، و قهم شرور أشرارهم..
اللهم إنا نسألك فرجاً عاجلاً لأخواننا في بلاد سوريا، اللهم اكتب لهم فرجاً عاجلاً تحقن به دماءهم، و تؤمن به روعاتهم في دورهم ، يا حي يا قوي يا عزيز.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في بلاد مصر، و في بلاد اليمن، و في بلاد أنت أعلم بها منا.
ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين، و نجنا برحمتك من القوم الكافرين..
ربنا اغفر لنا و لوالدينا، و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان..
و لا تجعل في قلوبنا غلّاً للذين آمنوا .. ربنا إنك رؤوف رحيم.



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 09:17 مساءً الثلاثاء 1 يونيو 1446.