خطبة يوم 14 / محرم / 1433
الخطبة الأولى:
الحمد لله مقلب الليل والنهار وفي ذلك عبرة لأولي الأبصار، والحمد لله يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وهو العزيز الغفار.
وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار وأشهد أن محمد عبده ورسوله النبي المختار صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأطهار، وسلم تسليما كثيراً
أما بعد ..
فاتقوا الله عباد الله، اتقوا الله تعالى وتأملوا في هذه الأيام التي تقضى، والليالي التي من أعماركم تطوى، صيف وشتاء يطلب الإنسان البرودة حيناً من الدهر، ويبحث عن هواء يدفع به شدة الحر، ثم في حين آخر يشتكي من البرد، ويخاف قسوته، ويخشى ضرره، { يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار}.
المسلم .. المسلم يتذكر بهذه الآية الكونية ، يتذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ( إن الله أذن لجهنم بنفسين نفسٍ في الشتاء ونفسٍ في الصيف، فأشدُّ ما تجدونه من البرد من زمهريرها وأشدُّ ما تجدونه من الحر من سَمومها ) .. نعوذ بالله من زمهرير جهنم ومن سمومها.
عباد الله .. إن الله تعالى لم يجعل علينا في ديننا حرجاً، لم يجعل علينا حرجا في ديننا { وما جعل عليكم في الدين من حرج } .
فشرعنا سهل ميسر، وعباداتنا أجور تتكاثر..
فالطهور شطر الإيمان ..
فيتطهر الإنسان بقلبه من الشرك والشك والنفاق ..
ويتطهر في معاملته من الفسق والفجور وسيىء الأخلاق ..
ويتطهر لعبادته بالماء .. فيغسل إذا أراد الوضوء بعد النية والتسمية، يغسل ثلاثة أعضاء من بدنه ويمسح العضو الرابع..
فيغسل وجهه كله من أذنه إلى إذنه عرضا، ومن منابت الشعر إلى أسفل اللحية طولا، ويتمضمض ويستنشق..
ثم يغسل يديه من أطراف أصابعه إلى مرفقيه ويَدخل المرفقان في الغسل، ولا يَتساهل في المرفقين ، لا يتساهل في غسلهما كما يفعله بعض المتوضئين،
ثم يمسح.. يمسح رأسه كله من مقدمه إلى قفاه ثم يعود إلى مقدمه ويمسح اذنيه وهذه تعتبر مسحة واحدة فلا يكرر مسحه حتى يجعله كأنه مغسول
ثم آخر الأعضاء الرجلان فيغسلهما مع الكعبين.
وغسل الكفين أول الوضوء وغسلهما سنة لا يغني عن غسلهما بعد غسل الوجه وكذلك التثنية والتثليث في غسل الأعضاء كل ذلك يا - عباد الله - سنة.
ومن كان في يده أو غيرها من أعضاء الوضوء جبيرة على كسر، أو دواء على جرح، أو لزقة يضر غسل موضعها فإنه من سماحة الدين فإنه يمسح عليها بشرط أن يكون ذلك بقدر الحاجة ولا يحتاج مع ذلك إلى تيمم إلا أن يشق مسحه أيضا فيتيمم عنه.
ويتنبه هنا إلى أن المسح يعم كل الجبيرة المشدودة ليس كالمسح على الخفين يكتفي بالمسح على الخفين.
وفي هذا الوضوء - أيها المتوضئون- .. يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كانت بطشته يداه مع الماء أو مع آخر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر الماء حتى يخرج نقياً من الذنوب ) رواه مسلم
وعن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : ( ما منكم من أحد يتوضأ فيُبلغ الوضوء ثم يقول: " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله" .. إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ) رواه مسلم.
وزاد الترمذي ( اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ) .
أيها الأخوة: من تيسير الله على عباده في أمر الطهارة أنه أباح لهم أن يمسحوا على ما يلبسون، وعلى أرجلهم من كنادر أو شُراب إذا لبسوها على طهارة، فلا يشق الإنسان على نفسه بخلعهما
قال المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه " كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأهويت لأنزع خفيه فقال دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما " متفق عليه.
فيمسح المقيم يوما وليلة من أول مسح بعد الحدث إلى مثله من اليوم الثاني.
والمسافر يمسح ثلاثة أيام بلياليها.
فمن لبس شرابه مثلا بعد أن توضأ لصلاة الظهر ثم نقض وضوءه بعد ذلك وتوضأ لصلاة العصر ومسح على شرابه فإنه يمسح إلى صلاة العصر من الغد، فيخلع خفيه أو شرابه إذا أراد أن يتوضأ لصلاة العصر من اليوم الثاني.
اعلموا - رحمكم الله- .. اعلموا أن القول الراجح أنه يمسح على كل شراب لبسه ولو كان خفيفاً أو كثير الخروق.
ومتى انتهت مدة مسحه وهو باق على طهارته فهو على طهارته ولو طالت المدة مالم يحدث.
ومن خلع شرابه وهو على طهارة فهو على طهارته أيضا حتى يحدث.
أيها الأخوة: من تيسير الله على عباده أيضا في أمر الطهارة أن شرع لهم التطهر بالصعيد،
ذلك بالتيمم إذا لم يجد الماء أو تضرر باستعماله
فيضرب الإنسان الأرض بيديه ضربة واحدة فيمسح بها وجهه وكفيه بعضهما ببعض وبذلك يرتفع حدثه ويكون طاهراً طهارة كاملة يصلي ما شاء من فروض ونوافل حتى يحصل له ناقض من نواقض الوضوء من بول أو غيره.
يقول الله تبارك وتعالى { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون }
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .. ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم .. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ..
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين يسر أسباب عبادته، وأعان بتوفيقه على طاعته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على دربه وسلم تسليما كثيراً
أما بعد ،،
اعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه ( ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ، ويرفع به الدرجات ؟) قالوا بلى يا رسول الله ، قال : ( إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط ) رواه مسلم
ومما يدخل في اسباغ الوضوء على المكاره، مما يدخل في ذلك أن يتم الإنسان وضوءه في أيام الشتاء و شدة البرد ثم يخرج من دفئه يرجو ما عند الله عز وجل فاتموا طهارتكم، واستعينوا - رحمكم الله تعالى- بنعمه على طاعته.
فالألبسة السابغة، و وسائل التدفئة، والمياه المسخنة، هي حجج علينا .. فاسبغوا وضوئكم، وكملوا طهارتكم.
فاغتسلوا من الحدث الأكبر معممين أجسامكم بالماء مع المضمضة والاستنشاق..
وتوضئوا من الحدث الأصغر ..
واستنزهوا من النجاسات، فإن عامة عذاب القبر من عدم الاستنزاه من البول.
فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين ، فقال : ( إنهما ليعذبان ، وما يعذبان في كبير ؛ أما أحدهما فكان لا يستتر من البول ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ) ، أي لا يستتر عن رشاش البول ولا يبالي بذلك
وفي رواية : ( لا يستنزه من البول ) وفي أخرى : ( من بوله ) .
ومع هذا كله فلا يشق الانسان على نفسه، بل إذا نظف المحل فهو على نظافته، وإذا توضأ فهو على وضوءه حتى يتيقن حدث ينتقض به وضوءه.
وإياكم والغلو، إياكم والغلو و الاستجابة لداعي الوسوسة.
إن الشيطان حريص على أن يفسد على المسلم عبادته، وأن يبقيه في ضيق صدر ومشقة.
وأنتم، أنتم يا أصحاب الطلعات البرية والمخيمات الخلوية اشكروا الله تعالى على ما أنعم الله به عليكم، فأنتم في مخيماتكم تتفكهون وهناك من هم في مخيماتهم خائفون ، اخترت البر رغبة في المتعة والتجديد، وقد اختارها غيركم هربا من الحروب والنار والحديد.
فاجعلوا من مخيماتكم فرصة للتذكر في نعم الله عليكم فحافظوا على الصلوات بطهارتها الشرعية وأوقاتها المرعية، أمنوا الماء في مخيماتكم وسخنوه في أوقات البرد، فإن تعذر ذلك فالتيمم بدله.
ومن أصابته جنابة في البر فشق عليه الإغتسال واستطاع الوضوء فالواجب أن يتوضأ ثم يتيمم عن الحدث الأكبر..
ومثله من كان الماء الذي معه قليلا فإنه يتوضأ ثم يتيمم عن الإغتسال ..
واحذروا عباد الله، احذروا أن تكون هذه الرحلات نقصاً عليكم في دينكم، فتتساهلون في حرماتكم، وتغفلوا عن أولادكم ونسائكم بحجة أنهم يرفهون عن أنفسهم..
فالرعاية واجبة وحفظ الأولاد من مخاطر البر وحوادث الدبابات، وجعل السيارة أداة للمفاخرة والمسابقة بين الشباب كل هذه أخطار وقد وقفتم على شيء منها
فلنأخذ على أيدي السفهاء ولنتعاون مع الجهات المسؤولة في كل ما يحفظ أبناءنا في أديانهم وأبدانهم لتكون رحلات البر باباً من أبواب الخير للتفكر في آيات الله، وصلة الأرحام، والبعد عن أذية المسلمين وتتبع عوراتهم ..
وكذلك البعد في الاسراف في طعام أو إضاعة وقت ..
جعلنا الله تعالى موفقين في أمورنا كلها.
اللهم إنا نسألك أن تحفظنا بحفظك، اللهم احفظنا في ديننا، واحفظنا في أبداننا، ويسر لنا أسباب الخير أينما كنا ..
اللهم إنا نسألك ان تجعلنا من عبادك الشاكرين الذين عرفوا قدر النعمة حق قدرها أنت ولي ذلك والقادر عليه ..
اللهم أنا نسألك أن تصلح أحوال المسلمين في كل مكان .
اللهم إن الظالمين قد تسلطوا، والبغاة قد تجبروا وأنت ولينا وربنا ومولانا ، اللهم إنا نسألك فرجا عاجلا لأخواننا في بلاد سوريا، اللهم هيء لهم من شدتهم فرجا ومن ضيقهم مخرجا ولا تجعل للرافضة العلويين عليهم سبيلا يا قوي يا عزيز
اللهم اصلح أحوال المسلمين في بلاد اليمن اللهم أجمع شملهم وآمنهم في دورهم ومكن لهم في أرضهم وولي عليهم خيارهم يارب العالمين
اللهم و اجمع كلمة المسلمين في بلاد مصر وولي عليهم خيارهم
اللهم واجعل ذلك في بلاد المسلمين كافة يا حي يا قيوم .. يامن بيده مقاليد الأمور ..
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفرلنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين
عباد الله اكثروا ذكر الله عز وجل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.