إنَّ الحمدَ لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله r
أمَّا بعد :-
فاتقوا الله عباد الله وبادروا أعماركم بأعمالكم ، واعلموا أنكم في أيام من أيام الله جعل الله فيها من الفضل ما لم يجعل في غيرها فما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه العشر .
قال العلماء : والسر في ذلك أنها أيام يغفل عنها .
والأمر في ذلك كما ترى غفلة الناس ، فلا تكادَ تَرَى مِيزة عِند كَثيرٍ من الناس بين عشر ذي الحجة ، وعشرٍ أخرى من أيِّ شهر آخر .
فلا مزيدَ عملٍ ، ولا تفرغ لعبادة إلا ممن رحم الله فعرف للفضائل فضلها ، وعلم أن العمر فرصة ، وما بعد هذه الحياة إلا النقلة .
وإن الناس انقسموا في هذه الأيام إلى طائفتين ، طائفة عقدت عزمها على بلوغ بيتِ الله الحرام فارتحلوا مجيبين دعوة ربهم حينما أمر إبراهيم أن يؤذن بالناس (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق)، فما أعظم مقصود هذه الطائفة تؤدي فريضة ربها محتسبة عند الله أجرها، فنسأل الله أن يبلغهم قصدهم ، وأن يَحْفظهم في حلِّهم وارتحالهم ، وأن يسهل لهم نُسُكهم ، ولا يحرمنا أجرهم .
والطائفة الثانية طائفة باقية، وإن كانت نفوس كثير منهم مرتحلة، ومن رحمة الله بعباده ، وسعة فضله أن جعل لكلٍ نصيباً ، ولم يغلق عن أحدٍ من خلقه باباً .
يقولُ تعالى في الحديثِ القُدْسِي (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنَّوافل حتى أحبَّه)
وإنَّ من الأعمال التي يُذَكَّر بها المقيم صيامَ يوم عرفة .
فلا يفوتنك يا عبد الله صيامُ يوم عرفة محتسباً ما أخبر به النبي r فعن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله r سئل عن صوم يوم عرفة فقال (يكفر السنة الماضية والباقية ) رواه مسلم .
ولا إشكال في إفراد صيام يوم السبت من أجل عرفة .
ومن كان عليه قضاء فله صيام يوم عرفة بنية القضاء، وله صوم عرفة، وجعل القضاء فيما بعد.
فصوموا هذا اليوم ، وحثوا أهل بيتكم على صيامه .
ومن ذلك صلاة العيد فيخرج المسلمون للصلاة مقتدين بنبيهم محمد r ، وهي من آكد الصلوات حتى ذهب بعض المحققين إلى وجوبها على الأعيان ، والسنة أن يخرج المسلمُ لابساً أحسن ثيابه ، وأن لا يأكل شيئاً حتى يرجع إلى بيته ليأكل من أضحيته .
ومن العبادات العظيمة التي لا ينبغي للقادر تركها هي ذبح الأضاحي ، وأما غير القادر فلا يشق على نفسه ، وقد ضحى عنه نبينا محمد r لأنه داخل إن شاء في قوله r لما أراد ذبح أضحيته ( اللهم هذا عن محمد وعن أمة محمد )
ولقد أمر الله بالأضحية في قوله تعالى )فصل لربك وانحر(
وفي الأضحية إحياء سنة أبينا إبراهيم ونبينا محمد عليهما الصلاة والسلام وما عمل ابن آدم يوم النحر عملا أحبَّ إلى الله من إراقة دمٍ
فطيبوا أنفساً بضحاياكم، واحتسبوا غلاء أسعارها، واستسمنوها، واحذروا العيوب التي تمنع من الإجزاء فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال قام فينا رسول r فقال: أربع لا تجزئ في الضحايا: العوراء البين عورها، والمريضة البينة مرضها، والعرجاء البينة عرجها، والعجفاء التي لا تنقي) رواه أحمد والأربعة وصححه الترمذي وابن حبان .
ومعنى قوله (العجفاء التي لا تنقي) أي: التي ذهب مخ عظمها .
فهذه العيوب الأربعة مانعة من الإجزاء فما كان مثلها أو أشد منها فلا يضحي .
فلا يضحي بالعمياء، ولا بمقطوعة إحدى القوائم، ولا بالمجروحة جرحاً خطيراً .
وأما ما كان دونها فيجزئ مع الكراهة، كمقطوعة الأذن، أو مشقوقتها، أو مكسورة القرن ، ونحو ذلك
ويجزئ أن يضحي بما فيه طوالع وغيرُه أكملُ منه .
ولا بدَّ أيضاً من بلوغها السن المعتبر شرعاً، وهو خمس في الإبل، وسنتان في البقر، وسنة في المعز، ونصف سنة في الضأن
واحذروا رحمكم الله المراءات والتفاخر في الأضاحي ، فليس من السنة تكثير عددها في البيت الواحد
فإن الله تعالى )لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم(
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه كان النبي r يضحي بكبشين أملحين أقرنين ، ويسمي ويكبر ويضع رجله على صفاحهما) وفي لفظ (ذبحهما بيده) متفق عليه .
فضحوا رحمكم الله عن أنفسكم وعن أهل بيتكم الأحياء والميتين مخلصين لله مظهرين هذه الشعيرة ، وكلوا من ضحاياكم وتصدقوا وأهدوا واسألوا الله القبول في ذلك .
وإخوانكم في المستودع الخيري يستقبلون طوال أيام العيد صدقاتكم من ضحاياكم، وكذا ما لا تستفيدون منه من الشحوم، يأخذونها ويصنعونها، ويحفظونها فكتب الله أجرهم، وبارك في جهودهم .
أيها الإخوة: لقد كان أقوام من نيتهم الحج، ومتعلقة به قلوبهم، تم تركوا ذلك لكلفة الحج، أو قدموا مصالح راجحة، أو لعدم حصولهم على التصاريح اللازمة، فهؤلاء حُجَّاج بنياتهم، ومشاركون لهم باحتسابهم، ومأجورون لطاعة ولاة أمورهم، وعدم تحايلهم .
وقد قال النبي r يوماً لأصحابه وهم في طريقهم لغزوة يغزونها قال : (إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ، ولا قطعتم وادياً إلا وهم معكم)
قالوا يا رسول الله ، وهم بالمدينة ، قال وهم بالمدينة حبسهم العذر )
فاحمدوا الله على فضله ، واشكروه على تيسيره ، ونية المؤمن خيرٌ من عمله .
والذي قال الحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة هو الذي قال (من صلَّى البردين دخل الجنة ) يعني بذلك الفجر والعصر .
وقال النبي r (من يضمن لي ما بين لحييه، وما بين رجليه أضمن له الجنة ) متفق عليه .
فأبواب الخير مشرعة ، وطرق تحصيل الثواب متنوعة .
رزقني الله وإياكم الفقه في دينه، وأعاننا على عبادته .
ومما يعاد القول فيه هو التكبير في هذه الأيام تكبيراً في عموم الأماكن والأحوال، وتخص به أدبار الصلوات من فجر غد إلى آخر أيام التشريق بعد الاستغفار ثلاثاً وقول (اللهم أنت السلام، ومنك السلام ...) فاحرصوا عليه ، وأظهروه .
أقول قولي هذا
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين
أما بعد :-
عباد الله : إن مواسم الخير يستقبلها المسلم الجاد بتوبة صادقة ، وإقلاعٍ عن الذنوب
وقد جرت عادة بعضٍ بل كثيرٍ من الناس في مثل هذه المناسبات الاجتماع والتزاور في استراحاتٍ وحدائق يقصدونها، أو طلعات برية ، وكل هذه في أصلها مباحة يؤجر الإنسان عليها إن نوى بها النية الحسنة من صلة قريبٍ أو زيارة من له حقُّ الزيارة .
ولكن لا يغب عن بالك أنَّ الله مطلع عليك أينما كنت فاحذر مواطن الرِّيبة ، ولا تستغفلنك الدعاياتُ المشبوهة إلى أماكن موبوءة .
فإن للشر أبواباً، ودعاة ، كما أنَّ للخيرِ أبواباً ودعاة، وحفت النار بالشهوات .
فاحفظ يا عبد الله نفسك، واحفظ من تحت يدك من النساء والأولاد ، فإنك مسؤول عنهم .
وإياك أن تتساهل في ملاحظة نسائك من الزوجاتِ والبنات وغيرهن، فإنَّ كثيراً منهن يخرجن للأسواق على ضعف في الحشمة، وقلة من الحيطة بحجة شراء مستلزمات العيد ، وهي بحدودها لا بأس بها شريطة الحجاب الصحيح، وعدم الخضوع بالقول . وخروجُها مع محرمها خيرٌ لها، واحفظ، ويردَّ الذي في قلبه مرض . وأبغض البقاع إلى الله أسواقها حفظنا الله وإياكم بحفظه، وجنبنا أسباب عقوبته وسخطه
واعلموا أن صلاة العيد تقام في الساعة السادسة والنصف في مصليات العيد الثلاثة في حي الحمراء، والشرقي والغربي، وفي الجوامع المعلنة وليس منها هذا الجامع .
فاللهم تقبل منا سعينا، وبارك لنا في عملنا، اللهم احفظ الحجاج والمعتبرين ...
اللهم أصلح أحوال المسلمين في سوريا ....