أما بعد:-
فالنبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه جلوس، وقد أحاطوا به يأتمرون بأمره، وينتهون عن نهيه، غشيتهم السكينة، والوقار والهيبة والتعظيم والإكبار.
فبينا هم كذلك زاد وقارهم، وعظم هيبتهم مرور جنازة قريباً منهم، وبين أيديهم .
وكفى بالموت واعظاً، وأعظم بهيبة سببها جنازة تحمل.
فماذا بعد؟
استمع في الصحيحين عن أَبِي قَتَادَةَ الحارث بْنِ رِبْعِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ: مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ قَالَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ - نسأل الله من فضله - وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ".
الله أكبر .
من سمع ولا بد أنه سمع!
من سمع بحدث الأمس لن يتكلف ربط الحدث بهذا الحديث .
مستراح منه!
فالفجور يؤذي العباد، وتعافه الفطر، ولا يقوى عليه إلا المتألون على رب الأرباب، الذين أجرى الله عليهم سنة الإمهال ليأخذهم أخذ عزيز مقتدر، وما ربك بظلام للعبيد.
الفجور يؤذي البلاد فينزع أمنه، وتضيع هيبته، ويتسلط عليه المجرمون من كل حدب وصوب، وتضيع في ظل الفجور الحقوق، وتهان الحرمات، ويصير الصوت الأعلى لأصحاب المصالح، الموالين لأعداء الأمة .
الفجور يؤذي الشجر والدواب، سبحان الله .
ما دخلها ؟
هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إنه هو إلا وحي يوحى !
وكيف لا يكون لها دخل؟ والله تعالى يقول (ألم تر أن الله يسجد له من السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب) .
ومن يسجد لله هل يرضى بالفجور، ومعصية الله ؟.
من يسجد لله هل يرضى أن يؤذى عباد الله ؟
من يسجد لله هل يرضى أن يتطاول أحد على من يسجد له، أويقبل منه تشريعاً، أويسن له قوانين، ثم يقول: ما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ؟
ثم القتل والتهجير، والتفنن بالعذاب لمن رفع كلمة مخالفة!.
هؤلاء المأذون للبلاد والعباد والدواب والشجر هذه حالهم، ولله فيهم سنن وأحكام والقذافي نموذجاً معاصراً !
ولنا وقفات أسأل الله أن تبلغ في نفوسنا مبلغ العظات .
تسابقت وسائل في نقل خبر مقتل معمر القذافي، وتسابقت أيضاً - أيها يبادر في نشر أكبر قدر من الصور لقتله، وأوضحها!
والخبر مفرح، ومن ذا الذي لا يفرح بنصر الله، وخذلان الظالمين من عباد الله!
إذن تعبدوا لله بالفرح أن شهدتم معلما من معالم قوله تعالى (ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون)
(لايغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد)
وحينما يفرح المؤمن بهلاك ظالم فهو لا ينسى أن ذلك نعمة أحدثها الله لعباده، وحق النعمة حمد الله وشكره (أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون، فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله)
والنبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر باليوم الذي نجى فيه موسى وقومه، وأغرق فيه فرعون وقومه صام ذلك اليوم يوم عاشوراء وأمر بصيامه .
فالفرح بموت الظالمين من هدي النبي صلى الله عليه وسلم لانقطاع شره، وأمل الفرج من بعدهم، مشى على هذا الهدي السلف الصالح حينما تنتهي إليهم أخبار هلاك الظالمين
لما جاء خبر موت المريسي الضال وبشر بن الحارث في السوق قال: لولا أنه كان موضع شهرة لكان موضع شكر وسجود، والحمد لله الذي أماته،..(تاريخ بغداد: 7/66) (لسان الميزان: 2/308)
وقيل للإمام أحمد بن حنبل: الرجل يفرح بما ينزل بأصحاب ابن أبي دؤاد، عليه في ذلك إثم؟ قال: ومن لا يفرح بهذا؟! (السنة للخلال: 5/121)
وقال سلمة بن شبيب: كنت عند عبد الرزاق -يعني الصنعاني-، فجاءنا موت عبد المجيد، فقال: (الحمد لله الذي أراح أُمة محمد من عبد المجيد). (سير أعلام النبلاء: 9/435) وعبد المجيد هذا هو ابن عبدالعزيز بن أبي رواد، وكان رأساً في الإرجاء.
ولما جاء نعي وهب القرشي -وكان ضالاً مضلاً- لعبد الرحمن بن مهدي قال: الحمد لله الذي أراح المسلمين منه. ( لسان الميزان لابن حجر: 8/402)
وفي (البداية والنهاية 12/338) قال ابن كثير عن أحد رؤوس أهل البدع: (أراح الله المسلمين منه في هذه السنة... فلله الحمد والمنة، وحين مات فرح أهل السنة بموته فرحاً شديداً، وأظهروا الشكر لله، فلا تجد أحداً منهم إلا يحمد الله).
ثم تأملوا في سنة الإمهال لتعرفوا حلم الله وحكمة تدبيره اثنتان وأربعون سنة يحكم المسلمين هذا المعتوه، ثم لما طفح الكيل وأراد الله لهم فرجاً تسعة أشهر يدافعونه، ليقتل منهم الآف، ويجرج منهم مثله، ويحصل من التخريب في البلاد والممتلكات ما قرت به عين أعداء الأمة والله غالب على أمره، ولكن ليميز الله الخبيث من الطيب، وليعلم الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين .
ثم هي سنة لا بد أن يركبها مريدو إحقاق الحق، فدين الله نفيس والتمكين له دونه بذل المهج والنفوس (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) .
بارك الله لي ولكم ...
الحمد لله ... أما بعد:-
فأيها الفرحون بهلاك الظالمين ...
أتذكرون أن الظالم الهالك كان يتوعد شعبة بالملاحقة شبراً شبراً وداراً داراً إلى آخر كلام الغطرسة الذين سمعتموه في وقته بقي أن يقال: نسي يذكر حفرة حفرة!.
لأن الله أدخرها له فأخرج منها صاغراً ذليلاً!
ولا شماتة في الموت، ولكنها عبرة لمن وفق، والبلاء موكل بالمنطق .
فتبددت في تلك اللحظة التاريخية أوصاف العظمة، وتبخرت ألقاب الغرور، وها هو ملك ملوك أفريقياً مجندلاً في دمه، يذكر الحاضرون نزع روحه أنهم لقنوه الشهادة والتكبير ولكن لم يقل كلمة، وإنما هي نظرات الله طائشة الله أعلم ما وراءها، ولا يظلم ربك أحداً !
ألا يعلم من خلق!
يتزاحم الناس حوله ليصلوا إليه ليروا فيه قدرة الله، (ويشف صدور قوم مؤمنين)، وليحق عليه قوله تعالى (فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آياته)
وما أكثر الذين خلفه، ولكن هل يكون لهم آية؟
(وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون)
ومن لا يتعظ بالموت فأي واعظ يعظه !
ومن لم تحرك قلبه النهايات سوف تستولي عليه نشوة البدايات!
فاللهم هيأ للمسلمين من أمرهم رشداً .
اللهم كما أذقتنا حلاوة النصر في ليبيا وأنت القوي القاهر اللهم أذقنا حلاوة النصر في سوريا، والتمكين للمستضعفين في بلاد الشام .
اللهم عجل فرج الذين يؤذون في سبيلك في ديار الشام، اللهم لا تجعل يداً عليهم من النصريين، واكفهم شرهم.
اللهم أقر أعيننا بجمع كلمة المسلمين في ليبيا اللهم اجمع كلمتهم على الحق، وألف بين قلوبهم وأعذهم من شرور أنفسهم
وول عليهم أنصح العباد فيهم .
اللهم أصلح أحوال المسلمين في بلاد اليمن ومصر وتونس والعراق وبلاد أنت أعلم بها منا
اللهم أتم على ولي أمرنا لباس الصحة والعافية واستعمله في طاعتك ...