إن الحمد لله ... أما بعد :- فأمر عظيم، بمراعاته تستقيم أحوال أقوام، وتصلح به دنياهم وآخرتهم، يؤمن جانبهم، ويكثر خيرهم ويعدم شرهم ولأهميته كان أحد أركان البيعة التي ربما بايع النبي عليه الصلاة والسلام عليها أصحابه، ونص عليها بل وجعلها شرطاً في قبول البيعة، واللحاق بهذا الدين . ولندع صاحب الشأن يتحدث ... فهذا صحابي جليل تأخر إسلامه، ولكن تقدمت به مكارمه، وبان فضله، وعزَّ جاهه فقد حاز محبة النبي صلى الله عليه وسلم فقربه منه يقول رضي الله عنه عن نفسه ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا ضحك وتبسم " أما الحديث الذي نعنيه ففيما رواه الشيخان عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعني على: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، واشترط عليه شرطاً لم يكن يشترطه صلى الله عليه وسلم دائماً قال: والنصح لكل مسلم " هذا شرط النبي صلى الله عليه وسلم، وهو شرط على كل مسلم فلا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. الله أكبر النصح لكل مسلم !. في كل مكان في حضر أو سفر كبيراً كان أو صغيراً يعرف الأمور أو يجهلها . فما أصعبه من شرط إلا أن يعين الله عليه. ولعظمه قامت به العظماء، وبادرت بإعلانه رسل رب الأرض والسماء فهود عليه السلام يقول لقومه "أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين". وقالها صالح عليه السلام " قال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم" وهكذا نبي الله شعيب عليه السلام " قال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين " أيها الإخوة: إنَّ مدار النصيحة على خلوص الشيء وعدم الغش فيه، فهو خالص من كل ما يكدره . فالنصح للمسلم هي كلمة يعبر بها عن إرادة الخير للغير. فلا يقرّ قراره أن يعرف صواباً إلا أرشد إليه ولا يعرف خللاً في أمر من الأمور إلا حذر منه . وأعظم النصيحة لأخيك المسلم في أمر دينه فأنت آخذ بيده منقذ له من التهلكة فإن قصَّر في واجب رحمته ونصحته أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد معاذ، فقال: يا معاذ ! و الله إني لأحبك أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول : اللهم أعني على ذكرك و شكرك و حسن عبادتك وقال مرة لأحد أصحابه لا تغضب فردد مرارا ثم تأتي النصيحة في أمر الدنيا ومعاملات الناس بيعاً وشراء فليس من النصيحة للمسلم أن تظهر السلع الرديئة على أنها جيدة وتساوي كذا من المبلغ وهي دون ذلك . وليس من النصيحة أن يشتري الإنسان السلعة النفيسة بأقل من قيمتها بكثير ثم يسكت على ذلك مغتبطاً بهذا الرخص الذي حصلها فيه فقد يكون البائع لا يعرف الأثمان، وقد تحمله عجلة البيع على الركون لأول سعر تسام منه فيه والنصح لكل مسلم أن تبين له ما تساوي ثم يماكسه في سعرها والأمر إليه بعد ذلك . وعجب من حال جرير راوي الحديث الذي لا يفتأ بعد هذه المبايعة إلا أن ينصح لكل مسلم دائماً وأبدا في قليل أمره وكثيره . باعه رجل فرساً فقال: بكم بعتني هذا الفرس؟ قال: بثلاثمائة، قال: أتريد فيه أربعمائة ؟ ثم نظر جرير فإذا هو يساوي خمسمائة، ثم نظر مرة بعد مرة حتى أوصل الثمن ثمانمائة، فقال: خذ هذه الثمانمائة، فإني بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم، وأنا -والله- لك ناصح. فأين هذا من حالنا يشتري الواحد منا السيارة أو الأرض أو سلعة أخرى ثم يتبين له أنه قد غبن البائع غبناً مثله لا يتسامح به عادة فينقلب إلى أهله مسروراً. وحمق منه أن يراجع بائعها، وقد عدَّه جرير رضي الله عنه نصحاً لأخيك المسلم . أيها الإخوة: أيها الموظفون: غداً يوم وظيفي، تستقبلون أعمالكم الوظيفية فاستفتح أيام عملك بهذا الأمر العظيم النصح لكل مسلم فاصدق المراجعين، وتعاون مع المحتاجين بما يسمح به مركزك لا تظلمون ولا تظلمون . قدر كبيرا يأتي إليك، وارحم صغيراً حاجته بين يديك. استوف ساعات الدوام من غير تثاقل، ولا نقصان يحل لك مرتبك، وتكون ناصحاً لكل مسلم في عملك، حينئذ تحمد سريرتك، وتسلم في عاقبتك، وتكون قدوة لغيرك . ولا يغب عنك ما روته عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به " . رواه مسلم أيها الإخوة : النصح لكل مسلم يكون من العمال في عملهم وأصحاب المقاولات، فالعامل الذي يستغل غفلة المسؤول عن العمل، أو غفلة الكفيل فيبخس العمل، ويأخذ منه أو يدخل فيه ما ليس من حقه لم ينصح لكل مسلم. وإن فرح أنه خرج منها سالماً لم يدر عنه، ولم يكتشف غشه فالموعد يوم تبلى السرائر فماله من قوة ولا ناصر . أما أنت أيها البائع فالنصح لكل مسلم أن تبين أصلي السلعة من رديئها، ولا تقل هاهي السلعة أمام المشتري لم لم يفتش ؟ والنصح لكل مسلم ألا تبيع المسلمين ما يضرهم في أبدانهم من دخان أو ما هو أسوأ منه، أو يضرهم في أديانهم ويفتنهم في أخلاقهم من مجلة سيئة أو يسهل لهم مشاهدة سيئة تفسد قلوبهم وتقضي على همة الخير فيهم. دائرة واسعة كلها منتظمة في قول النبي صلى الله عليه وسلم (النصح لكل مسلم) وكما قررها النبي صلى الله عليه وسلم لكل مسلم ولكنها للمسلم القريب أولى من غيره وآكد والله تعالى يقول (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) فهم أولى بصلته، والذَّب عن عرضه والسعي بتزويجه، وهم أولى بسداد دينه، وأولى كذا بتعليمه، ونصحه، وإن ندَّ به السير وتورط بمحرم فهم أولى به من رجل الحسبة وشرطي الأمن يأخذون على يده ويأطرونه على الحق أطراً . ثم بعد هذا كله سوف تجد طائفة من الناس كما قال صالح عن قومه(ولكن لا تحبون الناصحين) نعم طائفة لا يحبون الناصحين لأنَّ النصح يزعجهم ويقطع عليهم بعض ملاذهم فلا يكن ذلك سبباً في ترك النصح ونفض اليد من المقصرين، ولكن تمثل قول شعيب عليه السلام (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب) أقول قولي هذا ... أما بعد:- فانقشعت سحابة الترشيحات، والتصويت والانتخابات، وقضي الأمر واستوت على بضعة رجال الظن بهم كل خير، فإن يذكر شيء في هذا المقام فيقال: الله الله في النصح لكل مسلم، والفائزون في الانتخابات مع نيلهم تشريفاً حينما اختيروا، لا ينسوا أنهم قد تحملوا تكليفاً حينما تصدروا . ومن نعمة الله على العبد أن يتاح لك مجال يصل به نفعه، وتتيسر على يديه أمور قد لا تتيسر على يدي غيره. وهي كلمة ليعيها كل مسؤل ومدير ورئيس في أي مجال . وإن أحب عباد الله إليه أنفعهم لعباد الله . ثم إن تعذر النفع بالفعل والمباشرة فتبقى نية النفع ما أعظم أجرها، والذي قال ليت لي مثل فلان فأعمل مثلما عمل قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم فهو بنيته فهما في الأجر سواء . فهل يعيها من فاتهم الفوز في الانتخابات ؟ فيقال لهم: نية النفع، والنصح لكل مسلم لا يمكن أن تفوت، بل وميادين النفع والنصح لم تقف عند باب دون آخر ! فأين المشمرون والله تعالى يقول (ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون) . فاللهم وفق العاملين الناصحين الذين لا يريدون في الأرض علوا ولا فساد. اللهم اجعل أمور المسلمين في أنصح عبادك لهم . وأبعد عنهم الغاشين أصحاب المصالح، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون . اللهم أصلح لنا ولاة أمورنا وأصلح لهم بطانتهم ...