نقاط الخطبة :-
1- يفوتنا الخير بسبب الجهل أو الغفلة
2 - فضيلة يوم الجمعة .
3 - بعض ما يشرع في يوم الجمعة، وليلتها .
4 - الراجح في ساعة الإجابة .
إن الحمد لله ..
أما بعد : - فكم يفوت العبد من الخير بسبب جهله فيه ، أو غفلته عنه بعد علمه به ، فلقد فاتت أجورٌ كثيرةٌ ، ألهتنا عنها دنيانا وأولادنا ، وشغلتنا عنها أموالنا وأهلونا فضيعنا ما خلقنا من أجله وتنافسنا فيما خلق من أجلنا . فأصبح هم أكثرنا الدينارَ والدرهم ، والسيارة والمسكن . وإنَّ مما كثر فيه تفريطنا وبان فيه زهدنا تفريطنا في سيد الأيام ، وخيرٍ يوم طلعت فيه الشمس قال النبي صلى الله عليه وسلم : (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها ، ولا تقوم الساعة إلا يوم الجمعة) رواه مسلم.
إنَّ يوم الجمعة عندنا أهل الإسلام يومٌ ذو شأن هدانا الله له بعد أنَّ أضلَّ عنه من كان قبلنا فكان لليهود يوم السبت وكان للنصارى يوم الأحد فهم تبع لنا . فيوم الجمعة هو اليوم الذي اختصَّ الله به هذا الأمة فهو يوم عبادة ، وهو في الأيام كشهر رمضان في الشهور ، وساعة الإجابة فيه كليلة القدر في رمضان فيوم الجمعة ميزان الأسبوع ، ورمضان ميزان العام ، والحج ميزان العمر .
عباد الله : لقد اجتمع لكم في هذا اليوم يوم الجمعة - فضائل متنوعة وعبادات كثيرة ففي هذا اليوم يجتمع المسلمون لصلاة الجمعة امتثالاً لقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) فأمر الله تعالى المؤمنين بالسعي للصلاة . فهم يسعون إليها بقلوبهم قبل أبدانهم؛ فهم مشتاقون إليها ، يؤدونها برغبة ليسوا متثاقلين في الحضور إليها ، لا يحبسهم عنها أي عارض ويشغلهم عنها أقل شغلٍ . قال النبي صلى الله عليه وسلم (والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر) ولقد عظمت مصيبة أناس لم يرفعوا ليوم الجمعة رأساً ، ولم يروا بالتخلف عنها بأساً ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثمَّ ليكوننَّ من الغافلين) رواه مسلم . وقال صلى الله عليه وسلم (من ترك ثلاث جمع تهاوناً طبع الله على قلبه) رواه أبو داود والنسائي ، وقال الألباني حسن صحيح . ومما اختص به يوم الجمعة أنه يوم يشرع للإنسان فيه أن يستعد له بالاغتسال قال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل) وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) أي : بالغ . متفق عليهما .
وقد اعتنى السلف بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاغتسال قال الشافعي: ما تركت الاغتسال ليوم الجمعة في حر ولا برد ولا حضر ولا سفر . ويشرع له مع ذلك أن يتطيب ويتسوك ويلبس أحسن ثيابه تعظيماً لهذا اليوم فعن عبد الله ابن سلام أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر في يوم الجمعة (ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوب مهنته) حديث صحيح رواه أبو داود . وفي ثواب هذه الأعمال يقول النبي صلى الله عليه وسلم (من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب إن كان له ، ولبس من أحسن ثيابه، ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد ثم يركع إن بدا له ولم يؤذ أحداً ، ثم أنصت إذا خرج الإمام حتى يصلي كانت كفارة لما بينهما) رواه أحمد وصححه ابن خزيمة . وفي حديث آخر (وزيادة ثلاثة أيام) [1]. ويشرع للإنسان بعد تطهره واستعداده أن يبكر لصلاة الجمعة ماشياً إن أمكن، وأن يتخفف من مشاغله التي تعوقه عن التبكير لصلاة الجمعة فهو يوم واحد لا يضيرك أن جاهدت نفسك على التبكير فيه حتى تكتب الملائكة اسمك في المتقدمين، وكيف لا تجاهد نفسك وأنت لو نظرت فيم أخرك لم تجد مانعاً قاهراً إنما هو تثاقل وتسويف، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على أبواب المساجد ، فيكتبون الأول فالأول ، فمثل المهجر إلى الجمعة كمثل الذي يهدي بدنة ثم كالذي يهدي بقرة ، ثم كالذي يهدي كبشاً ، ثم كالذي يهدي دجاجة ، ثم كالذي يهدي بيضة ، فإذا خرج الإمام وقعد على المنبر طووا صحفهم وجلسوا يسمعون الذكر) متفق عليه . واعلموا أنَّ ليلة الجمعة وهي ليلة فاضلة يشرع فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كما يشرع ذلك في يومها . قال النبي صلى الله عليه وسلم (فأكثروا عليَّ من الصلاة في يوم الجمعة فإن صلاتكم معروضة عليَّ) رواه أحمد وأصحاب السنن . وفي رواية (يوم الجمعة وليلة الجمعة) والسهر ليلة الجمعة يؤدي إلى تفويت صلاة الفجر في ذلك اليوم المبارك، وربما جرَّه إلى تفويت الجمعة أو تفويت بعضها فلا يأتي إلا في أثناء الخطبة وربما فاته بعضها ومن جاء بعد رفع الإمام من الركعة الثانية في يوم الجمعة فقد فاتته الجمعة وعليه أن يصلي ظهراً أربع ركعات . وأنت يا عبد الله لعلك مع بداية قصر النهار أن تأخذ نفسك بالحزم فتكون من المبكرين لصلاة الجمعة مصطحباً معك أولادك تربيهم على التبكير للمسجد وانتظار الصلاة وتعلمهم ما شاء الله من القرآن . ثم إذا كتبك الله من المبكرين فاشتغل بالصلاة تصلي ما شئت مثنى مثنى حتى يخرج الإمام ، وكذا الذكر وقراءة القرآن ، أو قراءة في كتاب نافع ، وتخصُّ سورة الكهف بأفضلية لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين) رواه الحاكم والبيهقي صححه الألباني . ومن فضائل هذا اليوم وتميزه عن غيره أنه يشرع أن يقرأ في فجر يوم الجمعة بسورتي السجدة والإنسان يقرأهما كاملتين كما كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك رواه مسلم ، وفي رواية عند الطبراني أنه يديم ذلك . ويشرع في صلاة الجمعة أن يقرأ سورة الجمعة والمنافقين أو سبح والغاشية ، وربما قرأ الجمعة والغاشية ، ثبت كل ذلك عن رسول الله في صحيح مسلم وغيره . ولقد وهم بعض الأئمة فربما قرؤا الجمعة والمنافقين في فجر يوم الجمعة ظانين ذلك سنة ولم يرد في ذلك شيء . أقول قولي هذا ...
الحمد لله إن من عباد الله من وفقهم الله للتبكير لصلاة الجمعة فجزاهم الله خيراً وأجزل مثوبتهم ولكنهم حرصوا على خير ونسوا خيراً آخر ، فصاروا يبقون في مؤخر المسجد أو سرحة المسجد وهذا تفويت خير لا ينبغي منهم فعليهم بعد أن منَّ الله عليهم بالتقدم الزماني، وحضروا من بيوتهم وتركوا مشاغلهم أن يجمعوا مع ذلك التقدم المكاني ثم احذر يا من حضر لصلاة الجمعة أن تلغوَ جمعتك قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إذا قلت لصاحبك : أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت) متفق عليه وفي رواية (ومن لغا فلا جمعة له) . فلا تكلم أحداً والإمام يخطب، وإن سمعت متكلماً فأشر إليه أن يسكت ولا تكلمه، ثم بين له حرمة الكلام أثناء الخطبة . ومن بركة هذا اليوم ساعة الإجابة فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (إنَّ في الجمعة ساعةً لا يوافقها عبدٌ مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه) متفق عليه . وقد اختلف الناس في هذه الساعة وأرجح هذه الأقوال : قولان :
الأول : أنها من جلوس الإمام للخطبة إلى انقضاء الصلاة لما روى مسلم أنها (ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة) فيدعو الإنسان بين الخطبتين ويؤمن على دعاء الخطيب إن دعا في أثناء الخطبة، ولا يرفع يديه إلا أن يستسقي الإمام برفع يدين، ويجتهد في الدعاء أثناء صلاته في سجوده وقبل سلامه .
والقول الثاني: أنها بعد العصر. قال ابن القيم: وهذا أرجح القولين، وهو قول عبد الله بن سلام وأبي هريرة والإمام أحمد وخلق وحجة هذا القول ما رواه أحمد في مسنده من حديث أبي سعيد وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : (إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه إياه وهي بعد العصر) فاجتهدوا في هذين الوقتين بدعاء الله تعالى ادعوا لأنفسهم ولعامة المسلمين . اللهم وفق ولاة أمرنا ادعوا لإخوانكم المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها
--------------------------------------------------------------------------------
[1] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام ومن مس الحصى فقد لغا). رواه مسلم